لماذا دستور 1952

المحامي عمر العطعوط

في ظل الحراك القائم هذه الايام على وقع الاحداث الاقليمية والتي بدات في تونس وبلغت اوجها في مصر واستمرت في ليبيا وادت الى صحوة الشعوب العربية من المحيط الى الخليج واستفاقتها من حالة الموت السريري ورغبتها الجارفة في استعادة حقها في تحديد كيفية ادارة شؤونها باعتبارها هي مصدر السبلطات.

نجد اننا في الاردن نمر الان في لحظة تاريخية متميزة ظاهر فيها ارادة شعبية جماعية للتغيير والاصلاح ومستوى عال من الفهم العميق الى اسباب الخلل وتنبه الى عدم الانجرار الى تفصيلات وامور اجرائية على اهميتها لا تحقق التغيير المطلوب ،فكان مطلب العودة الى دستور 1952 والغاء جميع التعديلات التي جرت عليه وافرغته من مضمونه واخلت بنظام الحكم للدولة وهو النظام النيابي الملكي هو المطلب الابرز للشعب.واشيرانني كنت قد نشرت دراسة في صحيفتي العرب اليوم والراي بعنوان سلطة التحقيق والاتهام للوزراء في غياب مجلس النواب (كان المجلس غائبا انذاك) خلصت فيها الى ان التعديلات التي طالت دستور 1952 قد اخلت بنظام الحكم للدولة القائم على اساس نيابي ملكي وراثي ولا بد من العودة عنها.

لماذا دستور 1952:
إن نظام الحكم في الاردن نيابي ملكي وراثي، وأن الأمة هي مصدر السلطات.   وهذه السلطات هي السلطة التشريعية وتناط بمجلس الامة والملك، والسلطة التنفيذية يتولاها الملك بواسطة وزراءه، والسلطة القضائية التي تتنولاها المحاكم وتصدر الاحكام باسم الملك، ولا يستقيم النظام الدستوري للدولة في غياب ايا من هذه السلطات وهو ما لم يكن متصورا في  دستور 1952 الا ان جاءت التعديلات التي طالته على امتداد السنوات وأجازت الغاء وتعطيل السلطات الدستورية واعطاء الصلاحيات الاكبر للسلطة التنفيذية من خلال امكانيةحل مجلس النواب وتعطيل الحياة النيابية لمدة غير محددة أو حل مجلس الأعيان أو عدم رحيل الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها، وبالنتيجة أخلت بالنظام الدستوري للدولة.

غياب مجلس الامة:

كما هو واضح من النصوص الدستورية فان مجلس الامة يشكل الركن الاول من اركان النظام الدستوري للدولة باعتباره النظام النيابي وباعتباره يمثل وينوب عن الامة التي هي مصدر السلطات. ولا يجوز غياب هذا الركن في اي لحظة من اللحظات وهذا فعلا ماكان ينص عليه دستور 1952 قبل التعديلات التي طالته وادى ذلك الى امكانية غياب المجلسين الاعيان والنواب :

غياب مجلس النواب:
1.  تنص المادة (68/2) من الدستور على وجوب اجراء الانتخابات الجديدة قبل أربعة أشهر من انتهاء ولاية المجلس القائم.واذا لم يتم الانتخاب عند انتهاء مدة المجلس او تاخر لاي سبب من الاسباب يبقى المجلس قائما حتى يتم انتخاب المجلس الجديد، وهو الأمر الذي يدلل على عدم جواز وجود فراغ في السلطة التشريعية في أي وقت من الأوقات.

2.  على الرغم من أن صلاحية جلالة الملك بحل مجلس النواب موجودة بموجب المادة (34) من الدستور الاصلي لعام 1952 (للملك ان يحل مجلس النواب)، إلا أن هذه السلطة كانت، قبل التعديلات الدستورية، مثقلة بالضوابط على تلك الصلاحية، فنجد أن المادة (74) من الدستور (تم اضافتها عام 1954 ) كانت تنص على وجوب استقالة الحكومة التي يحل المجلس في عهدها خلال أسبوع من تاريخ حل مجلس النواب وأن تجري الانتخابات النيابية حكومة انتقالية، ثم جرى تعديلها في العام 1958  بحيث تم شطب شرط رحيل الحكومة مما قلل كلفة اللجوء إلى قرارات الحل.

3.  كما إن صلاحية حل مجلس النواب لم تكن تؤدي إلى غياب المجلس بالشكل الحاصل حاليا، فقد كان الدستور حسب احكام المادة (73) منه، يوجب إجراء الانتخاب العام خلال أربعة اشهر على الأكثر من تاريخ الحل، وبخلاف ذلك يستعيد المجلس السابق سلطاته الدستورية كاملة ويعتبر الحل كأن لم يكن.  ولكن بموجب التعديل الأول للمادة (73) في عام 1976 تم إضافة فقرة تمنح مجلس الوزراء صلاحية التنسيب للملك بتأجيل الانتخاب العام لمدة سنة واحدة إذا كانت هناك ظروف قاهرة تمنع إجراء الانتخاب.  وفي عام 1984 جرى تعديل آخر أدى إلى إمكانية غياب مجلس النواب لمدة غير محددة وذلك بإلغاء سقف السنة الواحدة لصلاحية تأجيل الانتخاب العام بحيث أصبحت الفقرة (4) حاليا: (بالرغم مما ورد في الفقرتين (1 و 2) من هذه المادة للملك أن يؤجل إجراء الانتخاب العام إذا كانت هناك ظروف قاهرة يرى معها مجلس الوزراء أن إجراء الانتخاب أمر متعذر).

وعليه فان التعديلات التي طالت الدستور ادت بالنتيجة الى امكانية غياب مجلس النواب احد اهم اركان نظام الحكم للدولة الى اجل غير مسمى.

غياب مجلس الاعيان:

ان الجناح الاخر لمجلس الامة وهو مجلس الاعيان ايضا لم يكن متصورا غيابه وفق نصوص الدستور الاصلي قبل التعديل الذي تم في عام 1974 باضافة فقرة على المادة 34 من الدستور تمنح الملك صلاحية حل المجلس او اعفاء ايا من اعضاءه .

بالاضافة الى التعديل الذي طال المادة   65 من الدستور التي كانت تنص على ان عضوية مجلس الاعيان ثمان سنوات ويتجدد تعيين نصف الاعضاء كل اربع سنوات، ويجري الاقتراع على من يجب خروجهم في نهاية الاربع سنوات الاولى. ومن الواضح ان ايجاد الاستقلالية الكاملة لاعضاء يتم اختيارهم بالتعيين  وراء هذا التحصين.

كما ان العديد من التعديلات انتفى الآن مبرر وجودها فلا يجوز الابقاء على نصوص دستورية عدلت تسمح  بإمكانية إجراء الانتخاب في نصف دوائر المملكة أو تعيين نواب لإملاء مراكز شاغرة بغير الانتخابات.

ان العودة عن جميع التعديلات التي جرت على دستور 1952 هي المدخل الحقيقي والوحيد لاحداث الاصلاح المنشود ،وفي حال تحقق ذلك تصبح باقي الامور التي يجري تداولها الان وعلى اهميتها تفاصيل تتحقق بشكل حتمي و تلقائي ،فما قيمة قانون الانتخاب مهما توافرت فيه من متطلبات اذا كان وجود مجلس النواب ذاته قابل للالغاء والتعطيل وباي وقت ولاي وقت.
كما ان استهتار الحكومات المتعاقبة في اصدار القوانين المؤقتة هو ايضا نتيجة التعديلات الدستورية، حيث ان النص الاصلي كان يتطلب توافر حالات الحرب والكوارث العامة لغايات اصدار القوانين المؤقتة ،كما ان المشرع الدستوري (قبل التعديلات) لم يكن متصورا في ذهنه غياب مجلس النواب لاكثر من ايام قد تمتد في حالتها القصوى والاستثنائية الى اربعة اشهر وقد لا تحصل هذه الحالة مطلقا واذا حصلت قد لا تتكرر كل مئتي عام،لان نظام الحكم هو نظام نيابي ملكي وراثي وهي عناصر لا يجوز ان يغيب ايا منها في اي وقت طالما انها العناصر المكونة لنظام الحكم.

كما أن الإصلاح الدستوري لا يحتاج إلى العودة عن جميع التعديلات التي طالت دستور 1952 فقط، بل لا بد من القيام بإصلاحات دستورية كإنشاء محكمة دستورية، ورد صلاحيات محاكمة الوزراء إلى المحاكم النظامية، وإلغاء المادة (71) من الدستور التي تعطي مجلس النواب حق الفصل في صحة نيابة أعضائه ورد تلك الصلاحيات إلى القضاء النظامي وهذا بحث اخر.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s