المحامي عمر العطعوط
مجتمع ممزق يبحث عن خصوم وهميين لإثبات فحولته المريضة كغطاء لعجزه عن مواجهة أو تحديد الخصم الحقيقي.
مجتمع مأزوم يستفزه الوجود العربي للعراقيين أو السوريين ولا يحرك ساكنا للوجود الصهيوني بزيارات الزعماء الإسرائيليين المختلفة لعمان والعقبة.
كل معاركنا وحراكنا وشجاعتنا واعتصاماتنا تضيع بها البوصلة، فمواجهة الوطن البديل مثلا ليس الهدف منها الحفاظ على ما تبقى من ارض فلسطين بل الهدف منها عدم ضياع حقوق مكتسبة في الأردن. وإلا فما الفرق بين الحقوق المدنية اوالسياسية للمواطن في مواجهة حالة تفريغ الأرض من سكانها؟ وهل من اطلق العيارات النارية احتفالاً بوادي عربة في ذلك اليوم المشؤوم في 26/10/1994 هو من أصبح يخشى من مخطط تصفية القضية الفلسطينية؟ ألم تكن معاهدة وادي عربة وقبلها أوسلو هي الأساس واللبنة الأولى لتصفية القضية العربية في فلسطين؟
وهل يعقل أن يكون الخصم في مخطط الوطن البديل هم الأردنيون من أصل فلسطيني بدلا من أن يكون المشروع الصهيوني؟ ولماذا التركيز على تعبير “الوطن البديل” بدلا من مجابهة المشروع الصهيوني الهادف إلى ابتلاع الارض وطرد السكان؟ وما هو الوطن البديل أصلاً؟ بديلٌ عن ماذا؟ هل تقزّمت أحلامنا إلى درجة أن نريد تعليم أولادنا أن الأردن بحدوده الجغرافية اليوم وفلسطين وسوريا ولبنان هي ما يسعون إليه، أليست الأردن وفلسطين أرضا واحدة؟ ألا نرى ان ما يتهددنا كأمة عربية بالزوال هو تحويلنا إلى دويلات وقوميات سنية وشيعية وكردية وعلوية وبهائية وسمي ما شئت لكن المهم ليست عربية؟
هل “المواطنة” وبدلاً من أن تعني سيادة القانون على الجميع بالتساوي أصبحت بمفهوم ثلة من الانتهازيين تعني المحاصصة وتقاسم كعكة الوطن؟
ألا يعي مدّعو تمثيل الاردنيين من أصل فلسطيني أن الديمقراطية لا تقوم إلا على أساس الحق الفردي وأن أية مطالبة بحقوق جمعية لفئة على أساس مناطقي أو جغرافي أو على أساس الأصول والمنابت هي محاصصة ووصفة للخراب و الدمار؟ ألا يعون أن مجرد طرح أنفسهم بهذه الصفة يجعلهم أعداء للمواطنة التي يدعون أنهم يناضلون من أجلها؟ وهل هناك ما هو أخطر على البلد من المطالبة بحصة من الفساد! أليس هذا عملياً ما يطالب به أصحاب نظرية الحقوق المنقوصة؟
وكاننا لم نكتفي بالخصومات الوهمية القائمة على أساس الحقوق المكتسبة والمنقوصة، فأضفنا الانقسامات المناطقية والعشائرية وذلك طبعا بمساعدة جليلة من النظام الذي استخدم أدواته لسن القوانين التي تشجع على التفتت والانقسام و/او التجهيل مثل قانون انتخابات الصوت المجزوء وقوانين الأحزاب والمطبوعات، بالاضافة الى التعدي على السلطة القضائية بعد ان أجهز على السلطات الأخرى من تشريعية وتنفيذية، إلى ما هنالك من أدوات يستخدمها النظام لضمان إبقاء الناس يخافون من بعضهم البعض أكثر مما يخشون فساده وتحكمه بالسلطة والثروة معا.
فأحداث العنف بالجامعات والمناطق المختلفة بشكل شبه يومي تنطق بما فيها، وعشرات الأبحاث والدراسات التي كتبت بها كان من الممكن اختصارها بعبارة واحدة” غياب الدولة”. والدولة لم تغب في عهد الملك عبدالله الثاني فقط، بل الحقيقة المرة أن الدولة لم تقم بشكل مؤسسي أصلا، فالملك “الباني” الحسين رحمه الله لم يسعى لبناء دولة وإنما أدار الامور بأسلوب أبوي ذكي وبطريقة توزيع المغانم والمكارم والألقاب واحسن اختيار المنفذين، وأقام نظاماً ريعياً اعتمد فيه على الكاريزما الشخصية بحيث أصبحت الاردن ملتصقة بشخصه، وكم منا كان لا يتخيل وجود أردن بدون الحسين، بل كنا وبسذاجة نشعر بالفخر عندما نتلقى الاجابة التقليدية من أي اجنبي تقول له انك من الاردن “اه طبعا بلد الملك حسين”.
ومع التطورات العالمية والاقليمية وفي ظل عالم اليوم لم يعد بالإمكان استمرار النظام الريعي السابق بذات الطريقة والاسلوب، ولم يعد بالإمكان إبقاء الناس وفقا لتقسيمة الملك حسين السابقة، وساهم بذلك ايضا أن خليفته لم يكن قد تم إعداده مسبقاً للحكم، والكاريزما لا تدخل من ضمن التركة فما بالك بحُسن الاختيار! وترافق ذلك والكشف عن قضايا فساد كبيرة طالت اعلى مؤسسات الحكم ومست بما يعتبره الاردنيون اصولا استراتيجية للدولة فضاعت الطاسة، واستفاق الناس من وهم وجود الدولة وعادوا إلى وحداتهم وانتماءاتهم الأصغر وانتشرت الفوضى. ولولا الخوف الذي استبد بالناس جراء الأحداث التي يرونها في سوريا ومصر وباقي دول الخريف العربي لكانت الفوضى قد قوّضت أركان الجغرافيا الاردنية.
كل ذلك انعكس على المشهد العام، مما جعلنا ننكشف امام رئيس حكومة منا وفينا ويعرفنا، ويعرف أننا لا نملك الارادة لأننا شعب منقسم، فلم يكتفِ برفع أسعار البنزين والكهرباء والسولار والكاز والغاز والخبز، ولا باعتقال كل من تجرأ على أن يتألم بصوت مرتفع ويعارض سياسات التجويع والإفقار التي تنفذها حكومته، بل ويعيدنا لأجواء الاحكام العرفية، فمدير المطبوعات والنشر أصبح له سلطة قضائية استثنائية بحجب الصحف والمواقع وفقا لما يراه مناسبا أو لما ياتيه من وراء حجاب. ولم تعد محكمة أمن الدولة حكرا على الحراكيين والنشطاء بل أصبحت مكتظة ايضا بالصحفيين الذين يحاكمون أمامها. واستطاعت الأجهزة التي تدير دولته وحكومته التفوق على أعرق الانظمة القانونية العالمية باكتشافها جرائم الواتساب، كل ذلك ونحن عاجزون حتى عن ردات الفعل، لاننا شعب فقد بوصلته ولم يعد يقوى على المقاومة.