المحامي عمر العطعوط
في موضوع حقوق أبناء الأردنيات ثبت أن كل مظاهر الإصلاح الشكلي لن تتمكن من النيل من سيطرة النظام الأمني على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الاردن.
إن أسوأ ما حدث في توصيات اللجنة الوزارية التي تشكّلت لبحث حقوق أبناء الأردنيات المتزوجات من أجانب تكمن في الرسالة التي تحملها، حيث من المفترض أن اللجنة ليست جهة لاتخاذ القرار وإنما رفع التوصيات للحكومة صاحبة الولاية بذلك. ولكن الحقيقة أن اللجنة تمثل النظام الأمني الحاكم صاحب الولاية الحقيقية، وبالتالي فإن طريقة الإعلان عن تلك التوصيات كانت بهدف جعل الرسالة أكثر وضوحا: تستطيع الحكومة والمبادرة النيابية ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها أن يتفقوا على ما يشاؤون ولكن القرار النهائي عندنا!
إن أخطر ما يواجهه الأردن هو الانقسام، مجتمع ممزق قسّمه الحكم منذ سنوات طويلة لضمان استئثاره بالسلطة والثروة معا، مجتمع محاصصة بالمطلق، وهذه المحاصصة تظهر في مختلف المؤسسات التي يتم تعيينها من قبل النظام الأمني الحاكم وتشمل بالتأكيد الحكومات ومجالس النواب والأعيان والمؤسسات العامة والأجهزة الأمنية والعسكرية والقضاء. وبالتالي فان ما يحكم تلك المؤسسات هو الخوف من الآخر، وأنا هنا لا أتكلّم عن المواطنين فهم على اختلاف أصولهم يعانون من التهميش، ولكني اتكلم عن الفكر الحاكم والعقلية التي تدير مفاصل الدولة، فالخوف هو من دخول طرف جديد إلى تلك التقسيمة فتصغر حصص الكعكة. هذه العقلية هي عقلية اللجنة التي نسّبت بما نسّبت في موضوع حقوق أبناء الأردنيات، وهي عقلية الموظف الذي يكتشف أنه أقوى من الدستور عندما يملك صلاحية سحب جنسية مواطن أردني لانه من أصول فلسطينية، هذه العقلية التي تحاول إقناع المجتمع أن تحرير فلسطين يجب أن يمر من خلال معاناة الأطفال من أبناء الاردنيات من أزواج فلسطينيين وبالتالي تعتبر استثنائهم عملا من أعمال المقاومة.
وكنتيجة طبيعية لهذا الانقسام وتلك المحاصصات نجد أن الخلاف المجتمعي أيضا ليس خلافاً فكرياً ثقافياً حضارياً حول حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، وإلا لكان المجتمع منقسماً حول هذا الموضوع على أسس مختلفة، يمين / يسار أو محافظ / ليبرالي، أو علماني/ ديني إلى ما هنالك من تقسيمات تقوم على أساس الفكر أو الايدولوجيا أو المنظور. ولكن واقع الحال أن الانقسام يحمل بعدا اخر يؤشر إلى درجة الخطورة التي يمر بها المجتمع وهو الانقسام على أساس الأصول ما بين الأردنيين والأردنيون من أصل فلسطيني، ومن هنا نجد أشخاصا لا يزالون يحرمون بناتهم من الميراث يتصدرون حملة الدفاع عن حق أبناء الأردنيات في مساواتهم بأبناء الأردنيين، وكذلك الحال أشخاص يساريين ليبراليين يتصدرون حملة الهجوم والرفض لحقوق أبناء الأردنيات.
إن الدولة المدنية الديمقراطية لا تقوم الا على اساس المواطنة ونبذ المحاصصة. والحق دائما هو حق فردي للمواطن ولا يوجد حقوق جمعية، لا مكتسبة ولا منقوصة. وان كل من يطالب بحق جمعي للمواطنين سواء على اساس الاصل الفلسطيني او على اساس المناطقية داخل الاردن هو بالنتيجة يطالب بحصة من الفساد، وهذه جريمة يجب ان تُضاف الى الجرائم الموصوفة في قانون العقوبات. وعليه ومع إيماني المطلق أن المراة كالرجل لها الحق في منح أبناءها كامل الحقوق الدستورية للأردني وليس حقوقاً مدنية أو مزايا، إلا أن من يُطالب بهذا الحق عليه أن يطالب أيضا بحق المرأة بالمساواة في مختلف المناحي ومنها على سبيل المثال في الميراث والزواج والطلاق والعقوبات.. الخ وإلا اعتبرت مطالبته مشبوهة وذات مصلحة وأهداف محاصصة تبتعد عن حقوق الإنسان الطبيعية.