كلمتي في مهرجان “القضية العربية الأرثوذكسية، قضية وطن” الذي عقد في النادي الأرثوذكسي يوم الأحد ١٤ كانون أول ٢٠١٤
بداية أنا أفخر أنني خريج المدرسة الوطنية الأرثوذكسية التي تُديرها جمعية الثقافة والتعليم الأرثوذكسية العزيزة على قلوب كل الأردنيين والتي تُشارك في تنظيم هذه الفعالية مع باقي المؤسسات والجمعيات الارثوذكسية بالاضافة للاصدقاء من الشباب العربي الأرثوذكسي.
كانت المدرسة الوطنية الأرثوذكسية ولا تزال النموذج الحقيقي لما يحتاجه الأردن الآن، وأنا هنا لا أتكلم فقط عن النواحي التعليمية ولكن عن النواحي الوطنية، فليس عبثًا ارتباط الوطنية دائما بالأرثوذكس العرب، ففي تلك المدرسة التي انتسبت إليها في بداية السبعينيات لم نكن نعرف إن كان الصديق الذي يجلس بجانبنا مسلمًا ام مسيحيًا، من أصول اردنية أو فلسطينية أو سورية. كانت ولا زالت مدرسة عروبية التوجه شأنها كشأن الارثوذكس العرب دائما وهم الاكثر غيرةً على القضايا العربية الوطنية، وهم الذين كانوا أول من أسس وقاد الحركات القومية العربية. ونضالهم في سبيل تعريب الكنيسة الأرثوذكسية مُنذ مئات السنين هو جزء لا يتجزأ من نضالاتهم في سبيل تحرير فلسطين وفي سبيل أردن مدني ديمقراطي.
إن دعم هذه القضية واجب على كل عربي بغض النظر عن دينه، وعلى وجه الخصوص العرب في الأردن وفلسطين، من أجل المحافظة على الأوقاف الأرثوذكسية ورفض بيعها أو تأجيرها والمطالبة المستمرة بالنهضة الأرثوذكسية من خلال حق العرب الأرثوذكس في الوقوف في وجه محاولات التقزيم والتهميش اليوناني لقدراتهم في رعاية كنيستهم بأنفسهم كونهم الأحق والأكثر حرصا على ذلك.
ولأن المرور على مراحل النضال الأرثوذكسي المستمر يحتاج الى مجلدات لتغطيته فإنني سأتناول محطة واحدة منها. في عام ١٩٥٦، تداعى حوالي 300 شخصية عربية أرثوذكسية لعقد مؤتمر في القدس، وطالبوا بإحياء المجلس الكنسي المختلط مع زيادة نسبة العلمانيين فيه (الأرثوذكس من غير رجال الدين)، وأن يُعهد للجنة العربية بثلث دخل البطريركية وأن يشارك العرب فعلياً في انتخاب البطريرك والسماح لهم بالانضمام الى أخوية القبر المقدس. وعلى ضوء ذلك انبثقت لجنة تنفيذية عن المؤتمر من 18 عضو وبلّغت حكومة سليمان النابلسي بتلك القرارات، فتبنتها الحكومة، للمرة الاولى والوحيدة في تاريخ الحكومات الأردنية، ووضعت قانون أساسياً للكنيسة الأرثوذكسية اقره البرلمان عام 1957.
تبنى هذا القانون توصيات المؤتمر ونص على تشكيل المجلس المختلط بحيث يكون فيه 12 علمانياً، وتسليم ثلث دخل البطريركية للجنة العلمانية، والعمل على انتخاب أساقفة عرب للقدس وعمان مما شكل دعماً للقضية العربية الارثوذكسية. ومما يؤكد فهم الحكومة آنذاك لعدالة هذه القضية العربية ما ورد في الأسباب الموجبة للقانون:”تعتبر الحكومة الاردنية أن الوقت قد حان لوضع حد لهذا النزاع الطويل ومنح الطائفة العربية حقوقها الطبيعية العادلة.”
ولكن وللأسف ما إن حصل الانقلاب على الحكومة البرلمانية الوحيدة في تاريخ المملكة حتى تم سحب هذا القانون بعهد حكومة المرحوم سمير الرفاعي وتم سن قانون البطريركية رقم 27 لعام 1958 والذي لا يزال سارياً حتى اليوم. هذا القانون يرسخ السيطرة والتفرد اليوناني على الكنيسة الارثوذكسية فهو لا يشرك المجلس المختلط إلا في المراحل الاولية لانتخاب المرشحين للكرسي البطريركي كما أنه سحب حق المجلس في الرقابة على إدارة البطريركية. وللأسف وحتى في ظل هذا القانون المُجحف لا تزال الإدارة اليونانية تمتنع عن تطبيق الجزء اليسير منه الذي يحفظ الحقوق العربية الارثوذكسية. ولا تزال حكوماتنا عاجزة عن إلزام البطريرك اليوناني بتنفيذ أي من التعهدات والالتزامات التي وعد بها ووقّع عليها عند انتخابه بطريركًا، ومنها إصلاح أوضاع البطريركية والمحافظة على أملاك الكنيسة وأوقافها وعدم بيعها أو التّفريط بها.
ان الموضوع الأساسي هنا هو ضرورة تبني قضية العرب الارثوذكس من الجميع حيث أنها ليست قضية تخص المسيحيين وحدهم بل هي قضية عربية بامتياز حيث ان استمرار السيطرة اليونانية أدى ولا يزال يؤدي إلى وضع الممتلكات العربية في القدس تحت خطر الاحتلال الصهيوني من خلال التحالف بين الإدارة اليونانية للكنيسة والعدو الاسرائيلي. ويكفي أن نعلم أن الكنيسة الارثوذكسية تملك عقارات وأراضٍ تقدر بنحو نصف أراضي القدس القديمة، وقد تم بيع وتأجير العديد منها مثل أراضي مستوطنة أبو غنيم وأحياء قرب فندق الملك داوود ومقر الكنيست ورئاسة الدولة الصهيونية الغاصبة.
ينبغي على حكوماتنا وبدلا من التغني ليلا ونهارا باعتراف المُغتصب بالدور الأردني الخاص على المقدسات في القدس وفق مُعاهدة الذُل والعار في وادي عربة، أن تقوم بالتدخل بحزم عمليا وتشريعيا لمساندة الارثوذكس العرب في قضيتهم، وأن تتوقف عن التواطؤ من خلال منحها الجنسية الأردنية للعديد من الرهبان اليونان طوال هذه السنوات.
الأصل أن تدار أمور الكنيسة الارثوذكسية من قبل أبنائها ضمن الخط الوطني للشعب العربي في الأردن وفلسطين، وهذا ما لن يرضاه الاحتلال الصهيوني، وبالتالي فان تحقيق العدالة للارثوذكس العرب هو ايضا جزء من القضية العربية في النضال من أجل إنهاء احتلال فلسطين.
واخيراً وفي ظل الظروف التي تمر بها المنطقة وتلك الافكار الظلامية التي تُحيط بنا من كل جانب، لا بد من التكاثف على اساس العروبة والمواطنة بغض النظر عن الدين والمذهب، فلا يوجد اقلية مسيحية او اغلبية مُسلمة في الاردن. يوجد مواطنة على اساس التساوي المُطلق للحقوق والواجبات، ومن هُنا فاني لا اعتبر نفسي في هذه القضية العربية الارثوذكسية اتضامن مع المسيحيين، بل انا اتضامن مع نفسي في سبيل قضية وطن.