المحامي عمر العطعوط
لا تزال منظومة التشريع في الأردن، كما هو الحال مع بقية جوانب الإدارة العامة للبلد، تعمل بعيدًا عن روح الدولة المدنية.
الدولة المدنية هي دولة المواطنة الكاملة التي تقوم على مبدأ التساوي المطلق بين المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين أو الجنس أو الأصل. الدولة المدنية هي التي تعلي حقوق الإنسان الفرد، ولا تعترف بحقوق جمعية على أساس الأصل أو الدين أو الجنس أو غيرها.
هذه المبادئ تُنتَهَك بشكل صارخ في قانون الانتخاب لمجلس النواب. فالقانون يعطي الحق للناخب المقيم خارج «بلدته الأصل» (المحافظة التي تنتمي عائلته إليها أو تعتبر مسقط رأس أجداده) بالعودة إليها وطلب نقل اسمه إلى سجل ناخبيها حتى لو كان مولودًا ومقيمًا خارجها. وهذا الحق يشمل جميع محافظات المملكة باستثناء العاصمة عمّان.
هذا الرجوع إلى «البلدة الأصل» يمنع تعزيز الشعور بالانتماء للمكان الذي يسكن فيه الفرد، ويمنع الاندماج في المجتمع بناء على هموم وتطلعات مشتركة إذ أنه يستمر بتعريف المواطنين وتصنيفهم بناءً على الأصل العائلي، ويكرس بذلك التبعات السلبية للعصبيات العشائرية. هذا لا ينفي بأي شكل الانتماء الذي يشعر به الفرد لمسقط رأسه أو مسقط رأس والديه، لكن من غير المنطق أن يطغى هذا الانتماء دائمًا على مكان إقامة الشخص، خصوصًا عندما نرى أشخاصًا ولدوا في عمّان وعاشوا وكل عائلاتهم الممتدة فيها طيلة حياتهم، لكنهم في يوم الاقتراع يتوجهون إلى بلداتهم الأصل للتصويت.
لو تجاوزنا عن إشكالية تكريس فكرة “البلدة الأصل” كدائرة انتخابية، نجد أن القانون يمارس شكلًا آخر من التمييز بين المواطنين في هذا الجانب، وهو استثناء مدينة عمّان وعدم إمكانية اعتبارها “بلدة أصل” يمكن الرجوع إليها. فمثلًا نجد ابن عمان المقيم بسبب عمله في الزرقاء لا يملك حق مطالبة دائرة الأحوال المدنية بتحويل دائرته الانتخابية إلى عمّان. وكذلك فإن ابن الدائرة الأولى أو الثانية أو الثالثة من العاصمة عمّان والمقيم الآن خارج تلك الدوائر لا يستطيع أيضًا العودة إليها بصفتها بلدة الأصل له.
لماذا؟ لأننا ولغاية الآن لا نعترف بفكرة وجود عمّانيين. هل يعقل أن تتعامل الدولة مع عاصمتها كمدينة لا ينتمي إليها أحد؟ وهل يعقل أن يميّز القانون ضد أهل عمّان دونًا عن غيرهم؟ إن الخطوة الأولى لتعزيز مفهوم المواطنة هي بانتماء المرء إلى المكان والمجتمع الذي يعيش فيه، وبتأكيد مبدأ المساواة المطلقة بين المواطنين أينما كانوا.