أرشيف التصنيف: الإصلاح في الأردن

الدين والدولة، من أين نبدأ؟

المحامي عمر العطعوط

في السنوات الأخيرة، في كل رمضان، بتنا نشهد ارتفاعًا في وتيرة السجالات والتغطيات في المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي حول موضوع دوام المطاعم والمقاهي والمجاهرة بالإفطار خلال هذا الشهر. نظريًا، من الإيجابي أن تطرح جميع القضايا للنقاش المفتوح بين أطياف المجتمع المختلفة وأن يتم تحدي المسلمات والأفكار السائدة.، لكن للأسف، من يتابع السجالات الفيسبوكية مؤخرًا لا يسعه إلا الشعور بالحسرة والقلق من تقزيم قيم العلمانية والحرية والدولة المدنية كما ينشدها المؤمنون بها.

الدولة المدنية هي الدولة التي يحكمها القانون الذي يتوافق عليه الناس (خارج سيطرة السلطة الدينية او الديكتاتورية) ولكن في ظل القيم الدستورية الأعلى للدولة المدنية وهي المواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين أو الجنس أو أي تمييز آخر، وهذه القيم بالتأكيد تسمو على القانون العادي الذي لا يجوز أن يخالفها.

المشكلة في الأردن فيما يتعلق بهذا الموضوع ليست مشكلة سلوكيات فردية أو اجتماعية ثقافية مرتبطة بـ«قبول الآخر» فقط. الإشكالية والعقبة أمام الحرية الشخصية والدولة المدنية تكمن أيضاً في التشريع.
قانون العقوبات الأردني الحالي مثلاً ينص في المادة 2744 منه على عقوبة الحبس أو الغرامة لكل من ينقض الصيام في رمضان علناً.

القانون المدني الأردني (وهو القانون الأم) مستمد تمامًا من الفقه الإسلامي، بحسب المذكرة الإيضاحية له والتي كتبها من كلّفوا بوضع هذا القانون عام 1964. ولم يكتفوا بذلك. فالمادة الثانية من القانون المدني تنص على أن المحاكم الأردنية ملزمة بالحكم وفقًا لمبادئ الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية في كل ما لا يوجد به نص في القانون ذاته.

وهذه النصوص تنطبق على معظم التشريعات الأردنية النافذة.

لذلك، إن النقاش حول هذا الموضوع يجب أن لا يقتصر على إغلاق مطعم هنا أو تصوير غير جائز لمُفطر هناك! لأن هذه التصرفات الفردية المرفوضة للأسف لها غطاء تشريعي قائم. إذًا فالأساس يكمن في ضرورة الدعوة إلى ضرورة فصل الدين عن التشريع وهذا يتطلب جهد حقيقي وفاعل وضاغط يقوده كل من يؤمن بضرورة فصل الدين عن الدولة.

العلمانية ليست ضد الدين وهي وان كانت تدعو الى الفصل بين الدين والدولة ولكن لا تدعو الى فصله عن المجتمع بل يمكن للدين في الدولة المدنية أن يلعب دورًا كبيرًا في حياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية وتفاعلاتهم اليومية.

إن بناء الأردن المدني الديمقراطي والذي يقوم على المواطنة المتساوية بين جميع أبنائه بغض النظر عن الدين أو الجنس أو أي تمييز آخر يبدأ من تسمية الأمور بمسمياتها: الدولة المدنية الحقيقية عليها أن تفصل الدين عن التشريع والتعليم! أما ما ورد في المادة 2 من الدستور أن دين الدولة الإسلام فهو برأيي نص مُلتبس، فالدولة شخص معنوي اعتباري والدين للأفراد وليس للأشخاص الاعتبارية فهل سمعتم عن دولة تصلي أو تصوم أو تحج؟ هذا ما يقوم به الأفراد في الدولة وليس الدولة ذاتها.

فصل الدين عن التشريع والتعليم وبالتالي عن الدولة هو الحل لكل من يؤمن بأردن مدني ديمقراطي يسوده القانون المُرتكز على قيم المواطنة. لنبدأ ايها الاصدقاء بالاشتباك الإيجابي المُنظم في سبيل تشكيل تيار فاعل على الأرض يُنظم عملنا ويؤطر جهودنا لنكون مؤثرين وقادرين على البدء بتحقيق أحلامنا.

الإعلان

من ينشد التأييد عليه أن يتقدم بأيدٍ نظيفة

المحامي عمر العطعوط

لماذا نرى هذا السخط الشعبي تجاه القرارات الاقتصادية لحكومة الملقي على الرغم من أن الجميع يعلم الأوضاع الاقتصادية والمالية الخطيرة التي يمر بها الأردن؟ كلنا نعلم ما وصلت إليه المديونية، والأزمات تُحيط بنا من كل جانب، والحدود مُغلقة والمساعدات متوقفة أو تكاد. هل يرفض الشعب الأردني الذي لم يتوانَ يومًا عن التضحية في سبيل بلده هذه المرة تقديم التضحية والقبول بقرارات اقتصادية صعبة؟ بالتأكيد لا، فلماذا إذا هذا الرفض؟

أولًا: لأن المنطق والعدل ومبادئ تلازم السلطة والمسؤولية في الأنظمة الديمقراطية ترفض استدعاء ذات السلطة المسؤولة عن هذا الخراب الاقتصادي والمالي أو عن الجزء الاكبر منه للقيام بإصلاحه! وانا هنا اتكلم عن نهج تشكيل الحكومات التي يُفترض أنها مسؤولة عن السياسات الاقتصادية والمالية للدولة! فهل يُعقل أن يأتي رئيس الحكومة اليوم ليطلب من الناس تحمل نتائج الأوضاع الصعبة ومساعدته للخروج منها على الرغم من كونه جزءًا من منظومة الإدارة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه؟ ألم يكن هو مسؤولًا عن ملفات اقتصادية عندما كان وزيرًا للصناعة والتجارة والتموين في حكومات سابقة؟ لماذا يشعر المواطن أنه مضطر لتحمل نتائج تلك السياسات الاقتصادية وهو يرى أن من ساهم بإيصال البلد إلى هذه الأوضاع يكافأ بالرئاسة والوزارة وغيرها من المناصب؟ وهذا لا يشمل الملقي وحده بل كل النخب الحكومية التي توارثت وتبادلت المناصب طوال أكثر من عقد ونصف.

في العام 1989 عندما تهاوى الدينار وكانت الظروف الاقتصادية خطيرة، وتحت ضغط المطالب الشعبية آنذاك، ألغى الراحل الملك الحسين الأحكام العرفية وأجرى انتخابات نيابية نزيهة نسبيًا وتشكلت حكومة شارك بها سياسيين وليس موظفين برتب وزراء وحدث انفراج سياسي. وبسبب تلك الخطوات توقفت المظاهرات وقبل الجميع بالإجراءات الاقتصادية الصعبة المطلوبة علمًا بأن علاقات الأردن حينها كانت قد تدهورت مع سوريا ودول الخليج وتوقّفت المساعدات بما فيها الأمريكية نتيجة موقف الأردن من حفر الباطن وكان العراق في حالة حرب، ولكننا تجاوزنا الأزمة آنذاك.

أعلم حقيقة غياب أو نُدرة النخب السياسية القادرة اليوم على النهوض بالأوضاع السياسية والاقتصادية، ولكن لا بديل الآن عن اتخاذ خطوة مساوية لما حدث في العام 1989. عندها سنجد الجميع يقبل بالتضحية والقبول بالقرارات الاقتصادية الصعبة شريطة أن تكون عادلة.

السبب الثاني لهذه الهبة الشعبية ضد الحكومة هو أن الشعب لا يثق بهذه الحكومات التي تستمر في الكذب على الناس. من يُصدّق الملقي ووزراءه بزعمهم أن القرارات الاقتصادية الصعبة والضرورية لن تطال آثارها الطبقتين الفقيرة والوسطى؟ هل انتفض الفقراء وأبناء ما تبقى من الطبقة الوسطى في المحافظات والعاصمة للدفاع عن الأغنياء؟

أين نحن من المادة 111 من الدستور التي توجب تصاعدية الضريبة؟ ماذا فعلت الحكومة وسابقاتها بجرائم الفساد الموثقة بتقرير ديوان المحاسبة؟ لماذا لم يتم مساءلة ومحاسبة من تسبب بإهدار عشرات بل مئات الملايين من الدنانير من الأموال العامة في ملفات معروفة مثل سكن كريم والفوسفات والإسمنت ورخصة شركة أمنية الأولى وغيرها الكثير؟ لماذا الإصرار على إعطاء محكمة أمن الدولة صلاحية النظر في الجرائم الاقتصادية ونحن نعلم أن المحاكم الدولية لا تعترف بأحكام المحاكم الخاصة فنتعذّر بعدم قدرتنا على جلب المطلوبين والحجز على أموالهم المُهرّبة؟ عديدة هي الأمثلة التي تُظهر غياب العدالة والإرادة السياسية والرؤية عن تلك القرارات الحكومية.

إن اللحظة الراهنة تحتاج إرادة حقيقية للإصلاح، وهذا يتطلب ثورة بيضاء لا تحتمل أن يتصدرها الملقي أو غيره ممن أوصلونا إلى ما نحن فيه.

كلمتي في مؤتمر الدولة المدنية في نادي شباب الفحيص

كلمتي في مؤتمر الدولة المدنية المنعقد في مدينة الفحيص 4/12/2016

المحامي عمر العطعوط

omar_fuheisكثر الحديث خلال الفترة الماضية عن مصطلح «الدولة المدنية» حيث لا يمر يوم دون أن تطالعنا مقالة أو بحث أو إعلان حول هذا الموضوع إلى أن نشر الملك ورقته النقاشية السادسة والتي كان عنوانها «سيادة القانون أساس الدولة المدنية».

نتفق أن الدولة المدنية هي الدولة القائمة على المواطنة وسيادة القانون والتساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين أو الجنس أو الأصل. ولكن الورقة النقاشية لم تحدد الفروقات بين نماذج الدول المدنية، فمثلًا في الدول المدنية- الدينية تكون قدرة الناس على اختيار النصوص القانونية التي ستحكمهم ضئيلة للغاية لكون القواعد الآمرة للمجتمع وتشريعاته محكومة مسبقًا بنصوص الدين الذي يحكم في تلك الدول، وهذا لا يمنع «مدنيتها» بالمعنى اللغوي للكلمة طالما أن الحكم ليس عسكريًا ويتم من خلال مجالس منتخبة مهمتها الرقابة على الحكومة وتفريغ النصوص الآمرة في الدين على شكل تشريعات محلية أو وضعية دون أن تملك صلاحية مخالفة تلك القواعد الشرعية. بالتالي عندما ينص الدستور على اعتبار هذه القواعد الشرعية المصدر للتشريع فإن أي قانون يخرج عن تلك القواعد الدينية يصبح غير دستوري ويبطل.

من هنا فأنني لا اتفق مع فكرة أن الدولة المدنية المنشودة في الأردن هي التي تستند إلى الدستور والقوانين ولكن «في ظل الثوابت الدينية والشرعية»، لأن المشكلة هنا أن الثوابت الدينية والشرعية من اسمها هي «ثوابت» أي لا تقبل التغيير، وهي بالضرورة تتناقض ومبدأ المواطنة المتساوية (والأمثلة على هذه متعددة من الإرث وحرية العقيدة والزواج وغيرها). إذًا الثابت الوحيد في الدولة المدنية الديمقراطية يجب أن يكون مبدأ المواطنة المتساوية، وبخلاف هذا فإن القانون هو الذي يكون مُتغيرًا بحسب ما يتفق عليه الناس. لذا فالتعريف الدقيق للدولة المدنية الديمقراطية هو الدولة التي يحكمها القانون الذي يتفق عليه الناس بأساليب ديمقراطية خارج سيطرة المؤسسة الدينية او العسكرية او الديكتاتورية: أي في غياب أية ثوابت دينية أو شرعية بل ما يختاره الناس بحرية في ظل الثابت القيمي الأساسي وهو المواطنة المتساوية.

الجانب الآخر الأساسي في حديثنا عن الدولة المدنية هو أننا لا نستطيع أن نبني هذه الدولة بدون نظام ديمقراطي سليم، وأهم قاعدة لتحقيق هذا النظام هي قاعدة تلازم السلطة والمسؤولية. هل سمعتم عن ديمقراطية يغيب عنها عنصر المساءلة في الحكم؟ لذلك كنت أتمنى لو يتم طرح ضرورة العودة عن التعديلات الدستورية الأخيرة لعامي 2014 و2016 باعتبار أن العودة عن تلك التعديلات أساس في سبيل استكمال بناء الأردن المدني الديمقراطي.

هذه التعديلات شكلت ضربة للنظام البرلماني الذي يستند إليه دستور المملكة، القائم على مبدأ أن الأمة هي مصدر السلطات وأن الملك مصون من كل تبعة ومسؤولية وأن أوامره الشفوية أو الخطية لا تعفي الوزراء من مسؤوليتهم. فالحكومة هي التي تغطّي مسؤولية الملك أمام مجلس النواب، وتتحمل مسؤولية كافة أعمال السلطة التنفيذية بما في ذلك الحساب والعقاب، لأن الملك الدستوري لا يخطئ، وبالتالي لا تجوز محاسبته، ولذلك جاءت المادة 40 من الدستور بممارسة الملك لصلاحياته من خلال إرادة ملكية يجب أن تكون موقعة من رئيس الوزراء أو الوزير أو الوزراء المختصين، بحيث ينحصر دور الملك بتثبيت توقيعه فوق تواقيع المذكورين.

السلطة التشريعية بموجب الدستور تناط بمجلس الأمة والملك، ومجلس الأمة يتكون من مجلسي الأعيان والنواب، بالتالي عند تطبيق المادة 40 أعلاه على النص الدستوري الذي يمنح الملك صلاحية تعيين رئيس وأعضاء مجلس الأعيان، نجد أنها تشكل تطبيقًا لقاعدة أن الأمة مصدر السلطات، كيف؟ لأن الملك يمارس صلاحياته من خلال إرادة ملكية يجب أن تكون موقعة من مجلس الوزراء، أي أن القرار يصدر فعليًا عن الحكومة ويسبغ الملك إرادته عليه لمنحه الرمزية بما تعنيه تلك الإرادة من ثقة يمنحها رأس الدولة كالمباركة. بالتالي طالما أن الحكومة لا تمارس أعمالها إلا بموافقة أغلبية النواب ممثلي الشعب، بل والأصل أنها حكومة أغلبية نيابية، يكون الشعب قد اختار بشكل غير مباشر أعضاء مجلس الأعيان. والغاية من ذلك لتلافي ما قد ينتج عن عملية الاختيار المباشر في الانتخابات من إمكانية غياب كفاءات ضرورية للقيام بمهام التشريع المناطة بمجلس الأمة.

وكذلك الحال بالنسبة للسلطة القضائية، إذ نص الدستور على أنها مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر جميع الأحكام وفق القانون باسم الملك.

أما مدير المخابرات والجيش والدرك فهم موظفون تابعون للحكومة بصفتها صاحبة الولاية العامة في إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وهي بالتالي مسؤولة عن أعمالهم.

هذه النصوص لم تأت اعتباطًا، بل هي نتاج نظريات فقهية ودستورية وتجارب الشعوب لمئات السنين، والهدف منها تطبيق قاعدة قانونية ودستورية ومنطقية هي قاعدة تلازم السلطة والمسؤولية، وهذا بالنتيجة يشكل حماية للملك.

بالتالي فإن القول بأن التعديلات الدستورية الأخيرة تمت من أجل تعزيز الفصل بين السلطات غير صحيح، بل هي تأخذنا لنظام تتركز فيه الصلاحيات بيد جهة واحدة يمنع الدستور مساءلتها فيسقط تلقائياً مبدأ أن الشعب مصدر السلطات ويتهاوى مبدأ النظام النيابي من أساسه.

صحيح أن واقع الحال اليوم في الأردن أن الملك هو الذي يعين مدير المخابرات ورئيس هيئة الأركان المشتركة بإرادته المنفردة، وكذلك الحال بالنسبة لمدير الدرك ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان ورئيس السلطة القضائية، وينحصر دور رئيس الحكومة وغيره من كبار الموظفين برتب وزراء بالتوقيع بلا دور حقيقي باتخاذ القرار، إلا أن استمرار الشكل الدستوري الأصلي على الأقل ضروري للحفاظ على الدستور من العبث كما يشكل تطبيقا لقاعدة تلازم السلطة والمسؤولية، فلا يوجد نظام ديمقراطي في العالم يعفي من منحه الدستور صلاحية الانفراد باتخاذ القرار من مسؤولية أعماله وقراراته.

لذلك أرى ان العودة عن تلك التعديلات الدستورية من أهم أساسيات بناء الدولة المدنية الديمقراطية!

أردن مدني ديمقراطي لجميع بناته وأبنائه: المشروع هو الأهم

المحامي عمر العطعوط

عندما قررت الترشّح للانتخابات النيابية القادمة، جاء ذلك لإيماني العميق بأن هنالك شريحة واسعة من الأردنيات والأردنيين تطمح للوصول إلى دولة مدنية ديمقراطية، تتلازم فيها السلطة مع المسؤولية، ويتساوى فيها المواطنون أمام القانون بغض النظر عن الجنس أو الدين أو الأصل.

كنت، وما زلت، مقتنعًا بأن هذه الشريحة أكبر مما نتصور، لكنها منكفئة على نفسها وتفضّل عدم الخوض في السياسة لأسباب متعددة منها الشعور العام بالإحباط واستحالة التغيير من الداخل، وأن التحول الذي نطمح إليه صعب ويحتاج عشرات السنين لخلخلة بنى المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المسيطرة.

من هنا، وكما كتبت في مقال سابق، رأيت أن الانتخابات النيابية القادمة تشكل فرصة لتجميع الأشخاص الذي يحملون مبادئ وأفكار متشابهة، وأنه يمكن لحملة انتخابية أن تكون أداة لتشجيع التكتّل الذي نحن بأمس الحاجة إليه. لهذا أعربت عن نيتي في الترشح للانتخابات.

أعلم أن مستوى الثقة في المؤسسة البرلمانية قد وصل أدنى مستوياته منذ عودة الحياة النيابية عام ١٩٨٩، وأنها أصبحت محل تندر وسخرية الغالبية العظمى من الأردنيين والأردنيات، لكن هذا ليس سوى نتيجة عقدين وأكثر من العبث الممنهج بالمؤسسة البرلمانية سواء من خلال قانون الصوت المجزوء والدوائر الوهمية أوتزوير الانتخابات والتدخل في عمل البرلمان وصولًا إلى التعديلات الدستورية التي شكّلت تقويضًا لنظام الحكم السياسي للمملكة القائم على النظام النيابي الملكي الوراثي.

لهذا، مطلوبٌ اليوم من الأردنيات والأردنيين الذين يؤمنون بالدولة المدنية والمبادئ السليمة للملكية الدستورية ألا يرفعوا الراية البيضاء ويتخلّوا عن مجلس النوّاب، لأنه الركن الأول من أركان نظام الحكم في الأردن.

أدرك تمامًا أن قانون الانتخاب الجديد لا يختلف في جوهره عن قوانين الصوت المجزوء التي سبقته، وأنه يستحيل على المنظومة السياسية الحالية أن تفرز مجلسًا تمثيليًا حقيقيًا يعكس إرادة الشعب ويقوم بالدور التشريعي والرقابي المناط به. كما أنني لست واهمًا بما يمكن لفرد أو مجموعة من الأفراد أن يحدثوه من تغيير إذا وصلوا مجلس النواب، لكنني أرى أن المشاركة الشعبية الفاعلة في الانتخابات اليوم ضرورية جدًا لكسر هيمنة الوضع الراهن وإيصال خطاب مختلف إلى البرلمان.

خلال الأسابيع الماضية، التقيت بالكثيرين وخضت حوارات مع طيف واسع من الأشخاص حول المبادئ المشتركة التي نؤمن بها والبرنامج الانتخابي وآليات التحالف. لقد أعطتني هذه اللقاءات والحوارات دفعة إيجابية كبيرة وعززت إيماني بأهمية العمل العام وتأطير الأفكار من أجل الوصول، ولو بعد سنوات، إلى كتل وازنة قادرة على إحداث فرق في مواقع صنع القرار في بلدنا.

نجحنا في بناء نواة تحالف برامجي ملتزم يعتمد على الفكرة لا الشخوص مع مجموعة منسجمة في المبادئ والتوجهات أعتز بالعمل معها. لكن مع هذا، اكتشفت أن المشهد الأوسع خارج هذه النواة تهيمن عليه الخصومات والتجاذبات السياسية، وأن هذا يؤثر بشكل سلبي على فرص التحالف بشكل أكبر وتجميع الناس. هذا إضافة إلى أن العديد ممن يحملون ذات الأفكار التي نطرحها منكفئون عن الترشح.

هذه العوامل اجتمعت مع تفاصيل قانون الانتخاب الجديد لإعاقة التحالف البرامجي، لأنه وإن كان القانون ظاهريًا يمنع الترشح إلا من خلال قوائم، إلا أن آليات التصويت، وغياب حد أدنى من الأصوات مطلوب للتنافس على المقاعد، وطريقة الحساب باعتماد «أعلى البواقي» أدّت إلى تشكيل القوائم بطريقة «من كل قطر أغنية»، وهو ما لا أستطيع التماهي معه لأنه يضر بالمشروع الأساسي الذي سعيت للترشح من أجله.

كثيرون ممن التقيتهم يأخذون على ما يسمونهم «جماعة الدولة المدنية»عجزهم عن التحالف لأسباب يصفونها بالواهية. لكن ما أدركته أيضًا أنه ليس كل من يدعو للدولة المدنية الديمقراطية يؤمن حقيقةً بها ومستعد لتسمية الأمور بمسمياتها.

لا شك أن العمل السياسي وخوض الانتخابات يتطلب تنازلات براغماتية، لكن بالنسبة لي هنالك مجموعة من المبادئ الأساسية التي لا يجوز التنازل عنها تحت مسمى البراغماتية السياسية، بل إن التنازل عنها هو سبب أساسي في فقدان العديد من المواطنين للثقة بنوّابهم.

لكل ما سبق، قررت العدول عن قرار الترشّح، وأن أستمر مع ذلك بالعمل على الأرض لأكون جزءًا من تيار فاعل يسعى نحو أردن مدني ديمقراطي لجميع أبنائه وبناته. ولقد بدأنا بهذا فعلًا. الأشهر الماضية أتاحت لي فرصة العمل مع مجموعة متميّزة، وأنا ممتنٌّ لكل واحد وواحدة منهم على تشجيعهم ودعمهم والجهد الذي بذلوه، وأعتقد أننا تعلّمنا الكثير معًا من هذه التجربة وسنستمر. عدولي عن الترشح ليس على الإطلاق دعوة للمقاطعة، بل ينبغي علينا الاستمرار بالاشتباك الإيجابي، لكن قد نكون بحاجة لوقت أطول من هذه الانتخابات حتى نبلور حركة قادرة على التأثير فعلًا.

لماذا أترشّح؟

المحامي عمر العطعوط

منذ أن عبّرت عن نيتي بالترشح في الانتخابات البرلمانية القادمة، خضت حوارات عديدة مع أصدقاء حول أسباب تغيير موقفي من المقاطعة (التي التزمت بها من انتخابات ١٩٩٧ وحتى ٢٠١٣)، إلى المشاركة والترشح. استوقفتني كثيرًا تعليقات من نوع «لا تلوّث نفسك بدخول البرلمان»، و«ستفقد مصداقيتك عندما تصبح جزءًا من هذه المؤسسة»، و«نحن أفضل حالًا بدون وجود برلمان من أساسه».

هذه المواقف ليست جديدة، لكننا بتنا نسمعها أكثر فأكثر من أشخاص مثقفين ومتعلمين يؤمنون نظريًا بالدولة المدنية وسيادة القانون والمواطنة وتلازم السلطة والمسؤولية. إن هذا تحول خطير جدًا في بلد مثل الأردن عرف الحكومة البرلمانية منذ خمسينيات القرن الماضي ولديه دستور (قبل التعديلين الأخيرين) مستلهم من أعرق الديمقراطيات في العالم، يمكن لو تم تطبيقه أن يكون الأردن نقطة مضيئة كدولة مدنية ديمقراطية في هذه المنطقة المأزومة.

هذا التحول جاء نتيجة لعبث ممنهج بالركن النيابي من نظام الحكم عبر أكثر من عقدين من خلال قانون الصوت المجزوء إلى الدوائر الوهمية وتزوير الانتخابات والتدخل في عمل البرلمان، حتى بات مجلس النواب محل تندّر وسخرية لدى الكثير من المواطنين الذين فقدوا الثقة تمامًا في المؤسسة البرلمانية وباتوا يطالبون بحكم «الدكتاتور الصالح» أو بالتحول إلى الملكية المطلقة بدلًا من تفعيل دستور 1952 القائم على أساس الملكية الدستورية.

اليوم، وبعد خمس سنوات مما أسميناه «الربيع العربي»، بات واضحًا أنه لا يمكن التعويل على ضغط الشارع من أجل تحقيق إصلاح ديمقراطي حقيقي، إذ أصبح هنالك شريحة واسعة من المجتمع مقتنعة بأن الخيارات في منطقتنا تنحصر في الدكتاتورية أو الفوضى والإرهاب. وهنا في الأردن، تعتقد هذه الشريحة أن هنالك خيارين لا ثالث لهما: الإسلام السياسي أو حزب السلطة الذي يتكون من مجموعات من المنتفعين من الوضع القائم. فتختار أن تنأى بنفسها عن أي نوع من العمل العام وتحافظ قدر الإمكان على مصالحها، معتقدة أن الديمقراطية والإصلاح السياسي نقيضان للأمن والاستقرار، أو أننا «شعب ما بنفع معنا ديمقراطية».

ما نحتاجه اليوم هو تجميع أصوات الأردنيات والأردنيين المؤمنين بالدولة المدنية الحقيقية وتلازم السلطة والمسؤولية والمواطنة الكاملة والمساواة وإعلاء حقوق الإنسان الفرد لا الحقوق الجمعية. أنا مقتنع أن هذه الشريحة كبيرة لكنها معتكفة وبحاجة لقنوات لتشكيل تحالفات والعمل نحو أهداف مشتركة.

من هنا وجدت أن الانتخابات النيابية القادمة يمكن أن تكون فرصة لجمع أولئك الأردنيين والأردنيات على قواعد مشتركة، علّنا نخطو الخطوة الأولى نحو استعادة الركن الأول من أركان نظام الحكم في الأردن وهو مجلس النواب.

لست واهمًا، وأعلم أن قانون الانتخاب الجديد لا يختلف جوهريًا عن القوانين التي سبقته، كما أعلم أن فردًا أو مجموعة صغيرة من الأفراد لن يستطيعوا إحداث تغيير كبير في البرلمان في غياب إرادة حقيقية لإصلاح ديمقراطي.

مع هذا، أرى أن الانتخابات النيابية تشكل فرصة مهمة للاشتباك الإيجابي وتسمية الأمور بمسمياتها وبناء تحالفات جديدة تؤمن بالدولة المدنية.

ما هي الدولة المدنية التي ندعو إليها؟ هي الدولة التي يسودها القانون الذي يتفق عليه الأردنيون خارج أي سلطة كانت سواء السلطة الدينية أو الدكتاتورية، وهي بالتالي دولة المواطنة الكاملة التي تقوم على مبدأ التساوي المطلق بين المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين أو الجنس أو الأصل. وهذا يتطلب مراجعة شاملة للتشريعات التي تحتوي نصوصًا تخالف هذا المبدأ مثل قوانين الأحوال المدنية والأحوال الشخصية وقانون الجنسية وغيرها.

ولأن الدولة المدنية هي دولة سيادة القانون الذي يتفق عليه الناس فهي بالضرورة ديمقراطية، وإلا فإننا نخرج من سلطة المؤسسة الدينية لنقع تحت سلطة المؤسسة القمعية الدكتاتورية.

المشكلة اليوم أن من يعتقدون بضرورة بناء دولة مدنية ديمقراطية عمادها المواطنة ويسودها القانون والعدالة والمساواة، يقفون ليس فقط في مواجهة أنصار الإسلام السياسي، بل أيضًا في مواجهة الدولة العميقة في الأردن. الدولة العميقة لدينا توظّف الدين لغايات سياسية ولفرض الوصاية، وتتنافس مع تيارات الإسلام السياسي على احتكاره.

الأمثلة على ذلك كثيرة، وأبرزها في مجالي التعليم والتشريع. فنجد هنالك منظومة تشريع متكاملة في الأردن ترتكز بشكل رئيسي على نصوص دينية مما يجعلنا في كثير من الأحيان نقنن ممارسات تخالف مبادئ المساواة بين مكونات المجتمع وترسخ الهويات الفرعية والطائفية بدلًا من سيادة القانون المدني بين وعلى جميع أفراد المجتمع.

نجد أيضًا أن المناهج الحديثة لا تزال تبتعد بنا عن العلم والابتكار، ويتم إدخال الدين في العلوم والرياضيات والثقافة العامة بشكل يؤدي بالضرورة إلى تعزيز مبدأ مرجعية الدين في كافة جوانب إدارة المجتمع. إن الدولة المدنية تتطلب إجراء مراجعة شاملة تقدّمية لمناهج التعليم في المدارس ترسّخ مفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان والتعدّدية والهوية الوطنية الإنسانية الجامعة القائمة على التنوع في الخلفيات والمعتقدات، والتركيز على التفكير العلمي النقدي الحر.

مشكلة التعليم في الأردن بالتأكيد لا تكمن فقط بالمناهج، ومشكلة التهميش الاقتصادي والسياسي وغياب التنمية لن تحل فقط بإصلاح التعليم، لكنه الخطوة الأولى لتحقيق تكافؤ الفرص والتنمية العادلة، بدلًا من أن تستمر الدولة الريعية بخلق الاستثناءات في التعليم الجامعي والتعيينات لمعالجة أعراض مشكلة التنمية دون الوصول إلى أساسها. ينبغي وضع حد للتراجع الذي أصاب النظام التعليمي في الأردن في العقدين الأخيرين، وزيادة الاستثمار في التعليم بصفته أهم أولويات الدولة من أجل سد الفجوة بين التعليم الحكومي والخاص وبين محافظات المملكة المختلفة.

مطلوب من الدولة اليوم أن تستعيد مسؤوليتها عن مجالات أساسية لضمان العدالة الاجتماعية والرفاه الاجتماعي كالتعليم والصحة وشبكة الأمان الاجتماعي للفئات الأضعف، مع تطوير البنى التحتية والبيئة المحفزة للاستثمار المحلي والإبداع والتنافس والثقافة الإنتاجية.

إنه الوقت لاستعادة نظامنا الدستوري وإعادة الهيبة للركن الأول منه وهو البرلمان وذلك بتطوير قانون انتخاب يضمن تمثيلًا عادلًا للمواطنين ويشجّع على التكتلات والتحالفات السياسية ويمهّد لتطور أحزاب برامجية فاعلة يمكن أن تصل إلى السلطة من خلال الأغلبية النيابية. ولعل هذا هو التحدي الأكبر: تشكيل تكتلات وتحالفات جديدة ذات بوصلة واضحة ومبادئ متّسقة، تدرك أن المطالبة بالدولة المدنية تعني بالضرورة رفض كافة الاستقطابات والتحالفات الطائفية في المنطقة، والوقوف مع حق الإنسان في الحياة والحرية والكرامة، وتدرك أن المطالبة بالدولة بالمدنية لا يمكن أن تنفصل بأي حال من الأحوال عن مقاومة الاحتلال ورفض المشروع الصهيوني وكافة أشكال التطبيع معه، وأنها لا يمكن أن تتلاقى مع أي تبرير للقمع وتقييد الحريات.

لهذا يجب أن نتحرّك اليوم، ونتجمّع على مبادئ مشتركة، ونرفض الصمت والتقوقع في فقاعاتنا الصغيرة.

التغيير الذي نطمح إليه قد لا ينضج ويثمر في حياتنا، ولكن مسؤوليتنا تجاه الجيل القادم أن نسير بذلك الاتجاه. من غير المقبول أن نستمر بلعن العتمة دون تحريك ساكن. من هنا قررت أن أخوض تجربة الانتخابات النيابية وأن أكون جزءًا من تيار يعمل من أجل أردن مدني ديمقراطي لكل بناته وأبنائه.

بلدة الأصل

المحامي عمر العطعوط

لا تزال منظومة التشريع في الأردن، كما هو الحال مع بقية جوانب الإدارة العامة للبلد، تعمل بعيدًا عن روح الدولة المدنية.

الدولة المدنية هي دولة المواطنة الكاملة التي تقوم على مبدأ التساوي المطلق بين المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين أو الجنس أو الأصل. الدولة المدنية هي التي تعلي حقوق الإنسان الفرد، ولا تعترف بحقوق جمعية على أساس الأصل أو الدين أو الجنس أو غيرها.

هذه المبادئ تُنتَهَك بشكل صارخ في قانون الانتخاب لمجلس النواب. فالقانون يعطي الحق للناخب المقيم خارج «بلدته الأصل» (المحافظة التي تنتمي عائلته إليها أو تعتبر مسقط رأس أجداده) بالعودة إليها وطلب نقل اسمه إلى سجل ناخبيها حتى لو كان مولودًا ومقيمًا خارجها. وهذا الحق يشمل جميع محافظات المملكة باستثناء العاصمة عمّان.

هذا الرجوع إلى «البلدة الأصل» يمنع تعزيز الشعور بالانتماء للمكان الذي يسكن فيه الفرد، ويمنع الاندماج في المجتمع بناء على هموم وتطلعات مشتركة إذ أنه يستمر بتعريف المواطنين وتصنيفهم بناءً على الأصل العائلي، ويكرس بذلك التبعات السلبية للعصبيات العشائرية. هذا لا ينفي بأي شكل الانتماء الذي يشعر به الفرد لمسقط رأسه أو مسقط رأس والديه، لكن من غير المنطق أن يطغى هذا الانتماء دائمًا على مكان إقامة الشخص، خصوصًا عندما نرى أشخاصًا ولدوا في عمّان وعاشوا وكل عائلاتهم الممتدة فيها طيلة حياتهم، لكنهم في يوم الاقتراع يتوجهون إلى بلداتهم الأصل للتصويت.

لو تجاوزنا عن إشكالية تكريس فكرة “البلدة الأصل” كدائرة انتخابية، نجد أن القانون يمارس شكلًا آخر من التمييز بين المواطنين في هذا الجانب، وهو استثناء مدينة عمّان وعدم إمكانية اعتبارها “بلدة أصل” يمكن الرجوع إليها. فمثلًا نجد ابن عمان المقيم بسبب عمله في الزرقاء لا يملك حق مطالبة دائرة الأحوال المدنية بتحويل دائرته الانتخابية إلى عمّان. وكذلك فإن ابن الدائرة الأولى أو الثانية أو الثالثة من العاصمة عمّان والمقيم الآن خارج تلك الدوائر لا يستطيع أيضًا العودة إليها بصفتها بلدة الأصل له.

لماذا؟ لأننا ولغاية الآن لا نعترف بفكرة وجود عمّانيين. هل يعقل أن تتعامل الدولة مع عاصمتها كمدينة لا ينتمي إليها أحد؟ وهل يعقل أن يميّز القانون ضد أهل عمّان دونًا عن غيرهم؟ إن الخطوة الأولى لتعزيز مفهوم المواطنة هي بانتماء المرء إلى المكان والمجتمع الذي يعيش فيه، وبتأكيد مبدأ المساواة المطلقة بين المواطنين أينما كانوا.

كفى عبثًا بالدستور

constitution-001المحامي عمر العطعوط

مشروع التعديلات الدستورية الجديدة الذي استدعيت الحكومة لإقراره على عجل يضاف إلى ما سبقه من عبث بالمبادئ التي يستند إليها الدستور الاردني ولنظام الحكم السياسي للملكة القائم على النظام النيابي الملكي الوراثي.

هذه التعديلات تعطي للملك صلاحيات منفردة بتعيين رئيس وأعضاء مجلس الاعيان ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ورئيس المجلس القضائي ومدير الدرك، بالإضافة إلى صلاحياته المنفردة بتعيين رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير المخابرات العامة بموجب التعديلات التي أقرّت عام 2014.

كما قلنا في سياق تلك التعديلات السابقة، فإن هذه الأفعال بالإضافة لكونها تشكل توريطاً غير بريء للملك وللملكية في الأردن، قد تؤدي الى إظهار الملك مسؤولاً أمام الشعب عن أية اخطاء ترتكبها تلك الجهات، وهذا يخالف مكانة الملك الدستورية باعتباره رأس الدولة وليس رئيسا للسلطات بل الحكم فيما بينها. فما هي المصلحة من أن يتنازل الملك عن تلك المكانة الأعلى ليصبح لاعباً، مع كل ما يترتب على ذلك من آثار خطيرة على المؤسسة الملكية التي من المفترض أن تكون رمزًا لوحدة الأمة وكرامتها؟

هذه التعديلات تُشكل ضربة للنظام البرلماني الذي يستند إليه دستور المملكة، القائم على مبدأ أن الأمة هي مصدر السلطات وأن الملك مصون من كل تبعة ومسؤولية وأن أوامره الشفوية أو الخطية لا تعفي الوزراء من مسؤوليتهم. فالحكومة هي التي تغطّي مسؤولية الملك أمام مجلس النواب، وتتحمل مسؤولية كافة أعمال السلطة التنفيذية بما في ذلك الحساب والعقاب، لأن الملك الدستوري لا يخطئ، وبالتالي لا تجوز محاسبته، ولذلك جاءت المادة 40 من الدستور بممارسة الملك لصلاحياته من خلال إرادة ملكية يجب أن تكون موقعة من رئيس الوزراء أو الوزير أو الوزراء المختصين، بحيث ينحصر دور الملك بتثبيت توقيعه فوق تواقيع المذكورين.

السلطة التشريعية بموجب الدستور تناط بمجلس الأمة والملك، ومجلس الأمة يتكون من مجلسي الأعيان والنواب، بالتالي عند تطبيق المادة 40 أعلاه على النص الدستوري الذي يمنح الملك صلاحية تعيين رئيس وأعضاء مجلس الاعيان، نجد أنها تشكل تطبيقًا لقاعدة أن الأمة مصدر السلطات، كيف؟ لأن الملك يمارس صلاحياته من خلال إرادة ملكية يجب أن تكون موقعة من مجلس الوزراء، أي أن القرار يصدر فعليًا عن الحكومة ويسبغ الملك إرادته عليه لمنحه الرمزية بما تعنيه تلك الإرادة من ثقة يمنحها رأس الدولة كالمباركة. بالتالي طالما أن الحكومة لا تمارس أعمالها إلا بموافقة أغلبية النواب ممثلي الشعب، بل والأصل أنها حكومة أغلبية نيابية، يكون الشعب قد اختار بشكل غير مباشر أعضاء مجلس الأعيان. والغاية من ذلك لتلافي ما قد ينتج عن عملية الاختيار المباشر في الانتخابات من إمكانية غياب كفاءات ضرورية للقيام بمهام التشريع المناطة بمجلس الأمة.

وكذلك الحال بالنسبة للسلطة القضائية، إذ نص الدستور على أنها مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر جميع الأحكام وفق القانون باسم الملك.

أما مدير المخابرات والجيش والدرك فهم موظفون تابعون للحكومة بصفتها صاحبة الولاية العامة في إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وهي بالتالي مسؤولة عن أعمالهم.

هذه النصوص لم تأت اعتباطًا، بل هي نتاج نظريات فقهية ودستورية وتجارب الشعوب لمئات السنين، والهدف منها تطبيق قاعدة قانونية ودستورية ومنطقية هي قاعدة تلازم السلطة والمسؤولية، وهذا بالنتيجة يشكل حماية للملك.

بالتالي فإن القول أن التعديلات الدستورية الأخيرة تمت من إجل تعزيز الفصل بين السلطات غير صحيح، بل نحن نتوجه لنظام تتركز فيه الصلاحيات بيد جهة واحدة يمنع الدستور مساءلتها فيسقط تلقائياً مبدأ أن الشعب مصدر السلطات ويتهاوي مبدأ النظام النيابي من أساسه.

صحيح أن واقع الحال اليوم في الأردن أن الملك هو الذي يعين مدير المخابرات ورئيس هيئة الأركان المشتركة بإرادته المنفردة، وكذلك الحال بالنسبة لمدير الدرك ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان ورئيس السلطة القضائية، وينحصر دور النسور وأمثاله من كبار الموظفين برتب رؤساء حكومات بالتوقيع بلا دور حقيقي باتخاذ القرار. إلا أن استمرار الشكل الدستوري الأصلي على الأقل ضروري للحفاظ على الدستور من العبث كما يشكل تطبيقا لقاعدة تلازم السلطة والمسؤولية، فلا يوجد نظام في العالم يعفي من منحه الدستور صلاحية الانفراد باتخاذ القرار من مسؤولية أعماله وقراراته.

إن هذا العبث بالدستور معيب لبلد عرف النظام البرلماني منذ أوائل الخمسينيات، وهؤلاء العابثين بالدستور الأردني هم بالضرورة ضد البلد والملك والدستور. وما هو مطلوب الآن وقفة من كل الحريصين على النظام النيابي الملكي الوراثي وكل الحريصين على المؤسسة الملكية كي يضغطوا لوقف هذا الخرق الدستوري الذي يرقى لجريمة تقويض نظام الحكم السياسي للمملكة.

عندما تنسحب الدولة من مسؤولياتها

المحامي عمر العطعوط

بعد أربعين عامًا على إلغاء القوانين العشائرية في الأردن، تطل علينا حكومة النسور بتعديلات مقترحة على قانون منع الجرائم تسعى إلى تحويل بعض الأعراف العشائرية إلى مواد قانونية مثل العطوة الأمنية وعطوة الاعتراف وعطوة التفتيش والجلوة.

وعلى الرغم من إيجابية بعض العادات العشائرية في حفظ التلاحم والتكافل والأمن المجتمعي، إلا أنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال أن تكون بديلًا عن القانون العادل الحازم الذي ينظر إلى الإنسان كفرد له حقوق وعليه واجبات، ولا ينظر إلى أية حقوق جمعية مبنية على أسس أخرى.

هذه التعديلات تقوّض أي توجه لبناء دولة مدنية عمادها سيادة القانون على الكافّة، وتشكك بقدرة الدولة الأردنية على القيام بهذا الدور.

بحسب التعديلات المقترحة في مسودة القانون، تعرّف مثلًا العطوة الأمنية بأنها «فترة زمنية مدتها ثلاثة أيام وثلث يلتزم بموجبها ذوو المجني عليه بعدم الاعتداء على الجاني أو ذويه أو ممتلكاتهم أو القيام بأية أعمال مخالفة للقانون». وعطوة الاعتراف بأنها «اعتراف الجاني وذويه لذوي المجني عليه بالجرم المرتكب». وكفيل الدفا: «الشخص الذي يُعهد إليه في صك الصلح حماية الجاني وذويه من التعرض لهم من قبل ذوي المجني عليه او خلال مدة العطوة. والجلوة: «ترحيل ذوي الجاني عن المنطقة التي يقيم فيها ذوو المجني عليه».

ماذا يعني كل هذا؟ يعني بمفهوم المخالفة أنه وفي غياب العطوة الأمنية فان القانون يسمح لذوي المجني عليه بالاعتداء على الجاني أو ذويه أو ممتلكاته! ويعني أن الدولة تنسحب من ضمان الحق في الحياة وفي عدم الاعتداء على المواطنين لصالح كفيل الدفا! ويعني أن إجلاء أبناء الجاني ووالده عن منطقة سكنهم سيصبح إجراءً قانونيًا، مما يشكل خرقاً للدستور الذي ينص على حرية الفرد في الإقامة والتنقل، وخرقًا لقاعدة شخصية الجريمة وفق النظام الجزائي ولقاعدة «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص». هذا بالإضافة لخرق القواعد القانونية التي تنص أن الإقرار والاعتراف لا يلزم غير صاحبه، وبالتالي لا يملك أفراد عطوة الاعتراف أن يقوموا بالإقرار بالجرم عن المتهم.

عدا عن كون هذه التعديلات المقترحة خرقًا للدستور والنظام القانوني والأسس الحقوقية التي يفترض أن تقوم عليها الدولة، فإن قانون منع الجرائم بحد ذاته قانون من بقايا فترة الأحكام العرفية، كان من المفترض إلغاؤه مع انتهائها عام 1989.

يخالف هذا القانون أحكام الدستور ويسلب صلاحيات منحها الدستور حصرياً للسلطة القضائية لصالح السلطة التنفيذية من خلال منح الموظفين في السلطة التنفيذية مثل المحافظ أو الحاكم الإداري صلاحيات قضائية كالتحقيق مع الأشخاص لمجرد الشبهة وإصدار مذكرات القبض والإيداع في السجون بدون حكم قضائي لا بل وصلاحية إعادة توقيف من تقرر السلطة القضائية إخلاء سبيله بموجب قرار صادر عن القاضي.

كثير ممن يدافعون عن رعاية الدولة لهذه الأعراف العشائرية والتوجه لقوننتها يبررون ذلك بالدور الذي تلعبه في حفظ الأمن وحقن الدماء، وبثقة المواطنين بهذه الأعراف أكثر من ثقتهم بسيادة القانون وقدرة الدولة على إحقاق العدل بين المواطنين. نعم هنالك أزمة ثقة بين المواطن وأجهزة الدولة الرسمية، ولكن هذا نتيجة مباشرة لعقود من التعدي على سلطة القضاء سواء بالتشريعات التي تسلب السلطة القضائية صلاحياتها، أو بتدخل السلطة التنفيذية بالسلطة القضائية أو الفساد والواسطة في التعيينات القضائية.

وفي وقت نحن أحوج ما نكون به لبناء الدولة المدنية وإعادة هيبة القانون وفرض سيادته على جميع المواطنين بالتساوي، تقرر حكومتنا أن تتكيف مع “الأمر الواقع” وتتنازل عن دورها وتعترف بعجزها عن حماية المواطن وحقوقه.

قانون الانتخاب: الشيطان في التفاصيل

المحامي عمر العطعوط

كما هو متوقع فقد أقر مجلس النواب مشروع قانون الانتخاب كما جاء من الحكومة مع تعديلات شكلية غير مؤثرة على الجوهر كانت من ضمن المسموح به حفاظاً على ما تبقى من ماء وجه للنواب.

عندما أعلن رئيس الوزراء في آب الماضي عن مسودة المشروع التي استبدلت الصوت المجزوء بنظام القائمة النسبية، كتبت أنه خطوة إيجابية نحو الإصلاح لأنه يمنح الناخب حق الاقتراع بعدد مقاعد دائرته الانتخابية ويقصر الترشيح في قوائم على مستوى الدائرة ويوسّع حجم الدوائر. لكن الشيطان دائمًا في التفاصيل، وهو ما ظهر جليًّا عند الإعلان عن تفاصيل المشروع.

قبل الخوض في مشروع القانون، لا بد من التوقف عند الطريقة التي أقرّ بها في ثلاثة أيام في مجلس النواب، حيث بدا جليًا الإدارة النزقة للمقترحات الخجولة من قبل بعض النواب لتعديل مواد معينة في القانون تُخالف التوجه الرسمي بحيث ظهر النواب وكأنهم في صف مدرسي يديره الأستاذ المتمثل برئيس المجلس.

تم أيضًا إقرار القانون بسرعة غير مسبوقة وكأن الانتخابات ستجري غدًا، ونتج عن ذلك التغاضي عن مقترحات عديدة واضطرار العديد من النواب ممن أبدوا معارضة للمشروع أو بعض مواده في مستهل الجلسات إلى التصويت مع تلك المواد ومع مجمل القانون، الأمر الذي أكّد واقع المجلس باعتباره مسيّرًا وليس مخيّرًا، يخضع للقرارات التي تأتيه من السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية. ومن الواضح أن الأجهزة الأمنية تتصرف بذات الفوقية في إدارة المجلس تطبيقًا لقاعدة قالها أحد النواب ذات يوم في ندوة في مركز الدراسات الاستراتيجية بما معناه: إنهم من أتى بنا ولهم حق الطاعة.

عودة إلى مشروع القانون، ومن خلال دراسة مواده، نجد أنه وللأسف يحقق ذات الغاية التي من أجلها تم وضع قانون الصوت المجزوء في العام 1993، والتي لا نزال نعاني من نتائجها، وهي التجزئة وخلق وترسيخ الانقسامات العامودية والأفقية بين مكونات المجتمع وبالتالي ضمان عدم تشكيل تحالفات بين المرشحين و/أو الأحزاب أو أي جهات لديها فكر أو موقف سياسي متشابه، مما يُمكن السلطة التنفيذية من بسط سيطرتها على تلك المجالس بحيث تستمر مجرد ديكور ديقراطي شكلي بلا مضمون، بل ويرسخ النظرة المجتمعية السلبية لهذه المؤسسة الدستورية الهامة والتي تشكل الركن الاول من اركان نظام الحكم، كل ذلك في سبيل الوصول إلى رضى وقبول شعبي بالاستمرار بحالة الانفراد المطلق بالحكم من قبل السلطة التنفيذية وأدواتها الأمنية.

باستثناء إيجابية توسيع الدوائر الانتخابية ، فإن المشروع يؤدي إلى ذات النتائج التي عانى منها البلد من قانون الصوت الواحد. إذ بعكس ما هو مأمول من قانون انتخاب على أساس القائمة، فإن هذا المشروع الذي أقرّ يمنع التحالفات البرامجية الحقيقية المستقرة وبالتالي يضمن استمرارية وصول أفراد متفرقين إلى مجلس النواب ويتضح ذلك من خلال ما يلي:

أولًا: عدم وجود نسبة (عتبة) كحد أدنى من الأصوات تحصل عليها القائمة تؤهلها للحصول على مقاعد نيابية.
فمثلًا: لو كان عدد أصوات الناخبين في إحدى الدوائر ١٠٠ ألف، وكان عدد مقاعدها باستثناء الكوتات أربعة، فإن القائمة التي تحصل على ٢٥ ألف صوت تفوز بمقعد. وبغياب حد أدنى من الأصوات التي يجب الحصول عليها، وإذا تشتتت أصوات الناخبين بين عدد كبير من القوائم، يمكن للقائمة التي تحصل على عشرة آلاف صوت، وتلك التي تحصل على خمسة آلاف صوت، الحصول على مقعد واحد لكل منهما أيضًا.

هذا يعني حكماً عدم وجود مصلحة لأي مرشح في التحالف مع مرشح قوي داخل ذات القائمة حتى ولو كانوا يتشاركون في الموقف السياسي أو البرامجي. وهذا سيؤدي الى قيام كل مرشح قوي بتشكيل قائمة شكلية فقط ليتجنب وجود منافسين له على المقعد الوحيد الذي قد تحصل عليه القائمة، مما سيؤدي الى  ترسيخ الخوف وعدم الثقة بين الحلفاء الشكليين.

ثانيًا: لا يزال القانون يمارس تمييزاً سلبياً ضد المسيحيين والشركس والشيشان والبدو؛ الأصل في الكوتا أن تشكل تمييزًا إيجابيًا مطلوبًا في الحالات التي لا يكون وعي المجتمع قد نَضج بما يكفل قُدرته على إفراز ممثلين عنه بشكل حر على أساس الأفكار والمبادئ وبرامج العمل وليس على أساس الإقليم أو الدين أو الجنس او العرق. وهنا يتدخل المُشرع بحيث يضمن حدًا أدنى للفئات المشمولة فيه والتي لا تملك ذات الفُرصة الموجودة للفئات الأخرى، ويكون تواجد هذه الفئات ومشاركتها في الحياة السياسية من خلال دورهم التشريعي والرقابي في مجلس النواب جوهري وحيوي وضروري. ومن هُنا نجد أن الكوتا للنساء مثلاً قد حددت خمسة عشر مقعدًا لهُن كحد أدنى دون أن يمنعهن ذلك من الترشح على باقي المقاعد والفوز بمقاعد أكثر.

وعلى الرغم من قناعتي أن عدد النساء في مجلس النواب أقل بكثير مما يجب أن يكون، إلا أننا نجد أن نظام الكوتا وفقاً لمشروع قانون الانتخاب الحالي لا يتعامل فيما يتعلق بالكوتا الخاصة بالمسيحيين والشركس والشيشان بذات المبدأ القانوني والسياسي الخاص بالكوتا النسائية بجعل الكوتا حدًا أدنى فقط مع إتاحة الفرصة لهم للتنافس مع الآخرين على مقاعد أكثر في كل الدوائر سواء كان لهم فيها مقاعد كوتا أم لم يكن. ما اعتمده المُشرع في مشروع قانون الانتخاب هو العكس، إذ حددت الكوتا للمسيحيين مثلا حداً أقصى وهو تسع مقاعد ومُنعوا من الترشيح خارج تلك الدوائر المُحددة للحصول على أية مقاعد أخرى. والحال كذلك فيما يتعلق بمقاعد الشركس والشيشان.

ان هذا النظام لا يحقق العدالة، ليس للمسيحيين والشركس والشيشان فقط، بل للمجتمع بأكمله ولكل مساعي بناء أردن مدني ديمقراطي، لأن منع المسيحي مثلًا من الترشح في عمان الثانية بحجة أن عدد المسيحيين في تلك المنطقة قليل يناقض مبدأ المواطنة المتساوية والانتخاب على أسس برامجية، وكأن المسلم لا يمكن أن يختار مسيحياً ليمثله في البرلمان. كما ان منعهم من الترشح في الدوائر الاخرى خارج المقاعد المحددة لهم حصرًا يُعرقل التطور الطبيعي للمجتمع من خلال هذا التفاعل بين مكوناته جميعًا في إطار ديمقراطي مدني يوفر الظروف أمام الناخبين لاختيار المرشح دون التعصب لأصل جغرافي أو جنس أو دين أو عرق.

مشروع قانون الانتخاب الجديد الذي تم إقراره شكّل مُناسبة احتفالية للنظام والسلطة التنفيذية لإيهام الخارج، والغرب تحديدًا، بأن الأردن ماضٍ قدمًا في تحقيق الإصلاح. لكن واقع الحال داخليًا أننا ما زلنا بعيدين عن ذلك.

ما هي الخيارات المتاحة أمامنا في ظل الظروف الإقليمية المحيطة بنا والتي أدّت إلى اختلال موازين القوى لصالح الوضع القائم؟

أترى يستطيع الأردنيون إن شاركوا جميعًا وبقوة أن يتجاوزوا سلبيات القانون الجديد وأن يوصلوا نوابًا قادرين على إعادة الدور الحقيقي لهذه المؤسسة الدستورية التي تشكل الركن الأول من اركان نظام الحكم حسب المادة الاولى من الدستور؟ قد يكون هذا هو خيارنا الوحيد.

مشروع قانون الانتخاب: هل نخطو نحو الإصلاح؟

parliament

المحامي عمر العطعوط

تشكل مسودة مشروع قانون الانتخاب الذي أعلن عنه رئيس الوزراء قفزة حقيقية لبناء نظام برلماني سليم، وإذا ما تم اقراره فعلاً فإنه يؤشر لوجود تفكير إيجابي وجاد لدى دوائر صنع القرار لإصلاح المؤسسة البرلمانية من خراب دام أكثر من 25 سنة.

العودة إلى الصوت المتعدد بحيث يكون للناخب حق الاقتراع بعدد مقاعد دائرته الانتخابية كما كان الوضع في قانون الانتخابرقم 22 لعام 1986 والتي جرت بموجبه انتخابات عام 1989 ليس النقطة الإيجابية الوحيدة في مشروع القانون، بل على العكس فقد تجاوز المشروع السلبيات في القانون السابق من خلال قصر الترشيح على القوائم النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة مما يعكس تمثيلًا عادلًا وحقيقيًا في مجلس النواب، ولا سيما في ضوء توسيع الدوائر الانتخابية الحالية بحيث تكون ما أمكن على مستوى المحافظة حسب تصريح رئيس الوزراء.

نتمنى على مجلس الأمة والذي هو نتاج  قانون الصوت المجزوء أن يرتقي لمستوى هذه القفزة الإصلاحية الحكومية غير المتوقعة،  كما نتمنى على الدوائر التي تسيطر فعلياً على مجلس الأمة ألا تقوم بالعبث في هذا القانون لضمان استمرار سيطرتها على المجالس النيابية مستقبلًا.  وحتى يكتمل الجانب الإيجابي لهذا القانون فانه ينبغى إلغاء بطاقة الانتخاب واعتبار بطاقة الأحوال المدنية والتي يحدد فيها إقامة أو عمل الناخب هي البطاقة الانتخابية المعتمدة لغايات الانتخاب دون الحاجة إلى تسجيل أسماء الناخبين وإصدار بطاقات جديدة لهم وذلك لضمان مشاركة شعبية أعلى.

كما ان  إجراء مراجعة جادّة  لنظام الكوتا هي خطوة ضرورية الان، حيث أن الأصل في الكوتا أنها تشكل تمييزًا ايجابيًا مطلوبًا عندما لا يكون وعي المجتمع قد نَضج بما يكفل قُدرته على إفراز  ممثلين عنه بشكل حر على أساس الافكار والمبادئ وبرامج العمل وليس على أساس الإقليم أو الدين أو الجنس أو العرق. هنا يتدخل المُشرع بحيث يضمن حدًا أدنى للفئات التي لا تملك ذات الفُرصة الموجودة للفئات الأخرى، ويكون تواجد هذه الفئات ومشاركتها في الحياة السياسية من خلال دورها التشريعي والرقابي في مجلس النواب جوهري وحيوي وضروري،  كما هو الحال في الكوتا النسائية مثلًا والتي حددت خمسة عشر مقعداً لهُن  كحد أدنى دون أن يمنعهن ذلك من الترشح على باقي المقاعد للحصول على تمثيل أكبر.

وعلى الرغم من قناعتي أن عدد النساء في مجلس النواب أقل بكثير مما ينبغي أن يكون، إلا أن الكوتا الخاصة بهن أفضل من تلك المخصصة للفئات الأخرى، فنجد أن نظام الكوتا الخاصة بالمسيحيين والشركس والشيشان لا يتعامل بذات المبدأ القانوني والسياسي الخاص بالكوتا النسائية، بل يحصرهم بعدد أقصى من المقاعد في دوائر محددة ، فقد حددت الكوتا للمسيحيين مثلا حداً أقصى في القانون الحالي وهو تسع مقاعد ومُنعوا من الترشيح خارج تلك الدوائر للحصول على أية مقاعد أخر. ما الذي يمنع ان يكون هناك 20 مسيحيا او شركسيا في المجلس؟ اذا المطلوب هو أن يحدد النظام الحد الأدنى للمقاعد التي يحصل عليها المسيحيون والشركس والشيشان  مع استمرار اتاحة  الفُرصة لهم للتنافس مع الآخرين على مقاعد أكثر في الدوائر التي لا يوجد فيها مقاعد كوتا مخصصة، مما يشكل الخطوة الأولى لبناء المُجتمع الذي ينتخب على أساس البرامج والأفكار والذي لن يحتاج للكوتا في المستقبل.

بكل الاحوال، يبقى مشروع القانون خطوة اصلاحية كبيرة، نتمنى ان يقوم مجلس الامة بمفاجأتنا كما فعلت حكومة النسور وان لا يعرقل هذه الفرصة لاستعادة النظام البرلماني الاردني وثقة الناس بالمؤسسة التي تشكل الركن الاول لنظام الحكم حسب الدستور.