أرشيف التصنيف: Uncategorized

مشروع التعديلات الدستورية.. وداعًا لدستور 1952

المحامي عمر العطعوط

مشروع التعديلات الدستورية الذي قدمته الحكومة لمجلس النواب يشكل استمراراً لعملية ممنهجة في الدولة بدأت في العام 2014 واستمرت في العام 2016 وتستكمل الآن بموجب هذه التعديلات الجديدة بشكل يؤدي إلى هدم أركان نظام الحكم في الأردن وهو النظام النيابي الملكي الوراثي وذلك للأسباب التالية:


أولاً: منح الملك صلاحيات منفردة دون غطاء حكومي يخالف المبادئ الدستورية التالية: أن الأمة هي مصدر السلطات وأن الملك هو رأس الدولة ومصون من كل تبعة ومسؤولية وأن أوامره الشفوية والخطية لا تعفي الوزراء من مسؤولياتهم وبالتالي فإن الحكومة هي التي تغطي مسؤولية الملك أمام مجلس النواب، وتتحمل مسؤولية كافة الأعمال بما في ذلك الحساب والعقاب، فالملك الدستوري لا يخطئ وبالتالي لا يجوز محاسبته. ولذلك جاءت المادة 40 من الدستور (قبل العبث بها) لتنص بضرورة ممارسة الملك صلاحياته من خلال إرادة ملكية يجب أن تكون موقعة من رئيس الوزراء أو الوزير أو الوزراء المختصين بحيث يكون دور الملك بتثبيت توقيعه فوق التواقيع المذكورة.

ثانياً: صحيح أن واقع الحال في الأردن أن الملك هو الذي يعين مدير المخابرات ومدير الأمن العام ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان وقائد الجيش إلى ما هنالك من مناصب حساسة في الدولة بإرادته المنفردة وينحصر دور كبار الموظفين برتب رؤساء حكومات ووزراء بالتوقيع بلا دور حقيقي باتخاذ القرار إلا أن استمرار الشكل الدستوري الأصلي على الأقل ضروري للحفاظ على الدستور من العبث وعلى نظام الحكم من التقويض كما يشكل تطبيقاً لقاعدة تلازم السلطة والمسؤولية، فلا يوجد نظام في العالم يعفي من منحه الدستور صلاحية الانفراد باتخاذ القرار من مسؤولية أعماله وقراراته.


ثالثاً: تشكيل مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية بنص بالدستور وبالشكل الوارد فيه هو اختراع لا يؤدي فقط إلى تقويض نظام الحكم النيابي الملكي وإنما فيه توريط غير بريء لمؤسسة العرش وتفكيك ممنهج لمؤسسة الدولة الدستورية للأسباب التالية:


1.أن نظام الحكم يقوم على السلطات الدستورية الثلاث؛ السلطة التشريعية والتي تناط بمجلس الأمة والملك، والسلطة التنفيذية والتي يرأسها الملك ويمارس صلاحياته من خلال وزرائه والسلطة القضائية وهي مستقلة تتولاها المحاكم وتصدر أحكامها باسم الملك.


2.كما ينص الدستور ان مجلس الوزراء مسؤول عن إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية وهو المسؤول أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة كما أن كل وزير مسؤول عن أعمال وزارته.


3.إن إنشاء هذا المجلس الجديد والذي ستناط به مسؤولية السياسات الأمنية والدفاعية والسياسة الخارجية والذي هو برئاسة الملك – وفي ضوء أن الحكومة هي صاحبة الولاية العامة بنص صريح – يؤدي إلى خلط فاحش في المفاهيم والمسؤوليات الدستورية؛ فهل المقصود أن يتبع هذا المجلس الذي يرأسه الملك إلى حكومة يرأسها رئيس وزراء يعينه الملك؟ أم المقصود أن يصبح هذا المجلس برئاسة الملك هو مسؤول مباشرة عن هذه السياسات بسلطة أعلى من سلطة الحكومة وحينها كيف سيخضع هذا المجلس برئاسة الملك للمسؤولية المشتركة امام مجلس النواب؟ والاهم أيضًا كيف يستقيم النص بكون الأمة هي مصدر السلطات طالما لم يعد للشعب قرار أو حتى تدخل أو مشاركة في الشؤون الأمنية والدفاعية والسياسة الخارجية؟


رابعاً: الصلاحيات الوحيدة التي يمارسها الملك وفقاً للنظام البرلماني دون غطاء حكومي هي صلاحية تعيين رئيس الوزراء والوزراء وإقالتهم والسبب في ذلك أن هذه الصلاحية هي فعلياً مقيدة بموافقة الأغلبية البرلمانية عليها وبقاؤها في الأصل مرهون بتمتعها بثقة البرلمان وليس كما يقول البعض من القانونيين على شاشات الفضائيات أن هذه الصلاحية تعني أن الدستور الأردني له خصوصية عن باقي الأنظمة النيابية الملكية في العالم حيث أن هذه الصلاحية المنفردة للملك بتعيين الحكومة وعزلها موجود في باقي دساتير العالم لنظم مشابهة لنظامنا السياسي.


إن هذه التعديلات الدستورية التي قدمتها الحكومة لمجلس الأمة كما التعديلات التي سبقتها تشكل استمرارًا للارتداد عن النظام البرلماني وفيها توريط لمؤسسة العرش وتشكل مساسًا بمكانة الملك باعتباره رأس الدولة وليس رئيسًا للسلطات بل الحكم فيما بينها. فما هي المصلحة من أن يتنازل الملك عن تلك المكانة الاعلى ليصبح لاعبًا، مع كل ما يترتب على ذلك من آثار خطيرة على المؤسسة الملكية التي من المفترض أن تكون رمزًا لوحدة الأمة وكرامتها؟


أم أن الهدف من هذه التعديلات هو تفعيل النص الدستوري غير المطبق منذ نهاية الخمسينيات والقائل بأن «الأمة هي مصدر السلطات» وجعله نصًا قابلًا للتطبيق من خلال برلمان وحكومات تقتصر صلاحياتها على قضايا داخلية محدودة وغير جوهرية، في حين تظل إدارة مفاصل الدولة الرئيسية من أمن وسيادة وعلاقات خارجية منفصلة تمامًا عن إرادة الشعب. أوليست اتفاقية الدفاع مع أميركا والتي تم بموجبها استباحة السيادة الأردنية مثال على ذلك تمامًا كماهي اتفاقية الغاز مع العدو الصهيوني وملفّات الطاقة والمياه؟ وما معنى كل الحديث عن «الإصلاح السياسي» وتفعيل الحياة الحزبية وتعديل قانون الانتخاب إذا كان الهدف هو الوصول إلى برلمان وحكومة برلمانية منزوعي الصلاحيات لا حول لهم ولا قوّة في القرارات المصيرية؟

الإعلان

الانتخابات ولو على الحمّالات

الاستحقاق الدستوري ليس ذريعة!

المحامي عمر العطعوط

تتزايد وتتضاعف بأعداد مقلقة حالات الوفاة والإصابة بفيروس كورونا المستجد، مما دفع الحكومة إلى إغلاق المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات وبعض القطاعات الأخرى وكذلك زيادة ساعات الحظر الليلي وذلك في محاولة لحصر وتقليل عدد الحالات قدر الإمكان. 

دون الحاجة للدخول في جدل حول مدى سلامة القرارات الحكومية المتخذة ولا سيما في الإصرار على  إغلاق المؤسسات التعليمية خلافاً لمعظم ما قامت به الدول الأخرى في العالم التي تشابه الوضع الوبائي لديها معنا والتي بدأت بإغلاقات وحظر لعدّة قطاعات باستثناء المدارس والجامعات كما يحدث الآن في بريطانيا مثلاً؛ ولكن يبقى من الملفت أن الدولة لا تزال تُصر على إجراء الانتخابات النيابية في 10/11/2020 رغم كل الأخطار وحالات الانتشار المجتمعي للفيروس وعشرات الآلاف من الإصابات المُعلنة وأكثر من الف وفاة. ولا نستطيع إنكار أن التجمعات  الانتخابية المنتشرة على مساحة البلد كافة وليس فقط ما تم تسريبه من خلال فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي قد ساهمت بذلك بشكل كبير، هذا بالإضافة إلى ما سيحدث يوم الاقتراع من مخالطة لن تمنعها الإجراءات المقدرة التي تبذلها الهيئة المستقلة للانتخابات وهذا جلي وواضح. 

تنحصر كل الذرائع التي تبديها الحكومة والهيئة المستقلة للانتخاب لتبرير إصرارها على إجراء الانتخابات في موعدها في موضوع الاستحقاق الدستوري الملزم، وأن آخر موعد لإجراء هذه الانتخابات دستوريًا 26/01/2021 وبخلاف ذلك سوف يعود مجلس النواب الثامن عشر. 

بغض النظر عن أسباب الإصرار على عدم عودة المجلس السابق لأشهر قليلة ريثما تتحسن الظروف الوبائية في الأردن وكأن المجلس الجديد سوف يختلف عن القديم؛ فإن القول بأنه لا يمكن إجراء الانتخابات دون انعقاد المجلس السابق في نهاية شهر 1/2021 ليس صحيحاً بالمطلق حيث أنه وبموجب أحكام الدستور تبقى هناك الخيارات التالية: 

أولا: إذا كان الوضع الوبائي في شهر 1/2021 لا يزال سيئاً فإن المجلس السابق سيعود حكماً بتاريخ 27/01/2021 وهناك صلاحية للملك بموجب المادة 81 من الدستور بتأجيل جلسات المجلس ثلاث مرات بما لا يتجاوز مدة  شهرين وبالتالي لا يعقد المجلس جلسات قبل 27/03/2021. 

ثانياً: في هذه الحالة، وإذا كانت الرغبة بعدم انعقاد هذا المجلس مستمرة، يجب أن تجرى الانتخابات قبل 26/03/2021. 

ثالثاً: في حال كان الوضع الوبائي لا يزال سيئاً خلال شهر 3/2021 للملك صلاحية حل مجلس النواب الثامن عشر قبل 27/03/2021 وبالتالي يجب أن تجري الانتخابات خلال أربعة أشهر من تاريخ الحل وبالتالي تملك الهيئة المستقلة للانتخاب في حينه إجراء الانتخابات في أي وقت قبل 27/07/2021 أي في فصل الصيف.

رابعاً: قد يقول قائل أن استخدام صلاحية الملك في حل مجلس النواب ذاته أكثر من مرة فيه التفاف على الدستور لغايات تأجيل الانتخابات أكثر من أربع شهور – وهو الحد الأقصى الذي ينص عليه الدستور؛ وهذا قد يكون صحيحًا من حيث المبدأ بل وأنا شخصيًا أرى أن أي حل للمجلس يجب أن يكون مسببًا تنفيذًا لمنطق المادة 74 من الدستور والتي تنص على أنه إذا حل مجلس النواب لسببٍ ما فلا يجوز حل المجلس الجديد للسبب مفسه؛ ولكن هذه لن تكون الحالة الأولى التي يتم بها حل ذات مجلس النواب مرتين حيث سبق وتم حل مجلس النواب التاسع والذي كان قائماً ما بين الأعوام 1967 الى عام 1971 مرتين حيث لم تجري الانتخابات في العام 1971 وبقي المجلس قائماً وفق النصوص الدستورية إلى أن صدرت الارادة الملكية السامية بتاريخ 03/03/1973 بالتمديد للمجلس لمدة سنتين ومن ثم  وفي 23/11/1974 صدرت الإرادة الملكية بحل مجلس النواب التاسع (الحل للمرة الأولى) وحين لم تجري الانتخابات بعد ذلك في المدّة المنصوص عليها استعاد المجلس سلطاته الدستورية بل وقام بتعديل المادة 73 من الدستور في حينه ومن ثم صدرت الإرادة الملكية بحل ذات المجلس للمرة الثانية بتاريخ 07/02/1976. 

إن الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلد وتزايد الإصابات وحالات الوفاة بسبب هذا الفيروس اللعين تقتضي منا البحث في جميع الحلول الممكنة لمنع التجمعات بين الناس وتحقيق التباعد الجسدي وتفعيل المبدأ المقدس أن حق الإنسان بالحياة هو الأولى بالرعاية دائماً وبالتالي فإن هناك حلولاً لموضوع إجراء الانتخابات تمتد  حتى الصيف القادم دون أن يتم التجاوز على الاستحقاقات الدستورية ونحمي صحة الناس.

أين المسؤولية الأخلاقية في فاجعة البحر الميت؟

مشاركتي في حلقة برنامج «كلام صريح» على قناة الأردن اليوم، حول المسؤولية الأخلاقية والسياسية في فاجعة البحر الميت.


 

حوار على «نبض البلد» حول قبول وإلغاء الفعاليات

تاليًا التسجيل الكامل لمشاركتي في حلقة برنامج «نبض البلد» على قناة رؤيا، مع الوزير الأسبق الدكتور بسّام العموش، عن مدى قانونية منع الحكومة لفعاليات مختلفة.

بين حوار الرابع ورسائل الشارع… أين هوية الحراك ؟

التسجيل الكامل لحلقة برنامج «عين الحدث» مع قادسية الضمور على قناة الأردن اليوم، بعنوان «بين حوار الرابع ورسائل الشارع… أين هوية الحراك»؟ والتي تحدثت فيها إلى جانب النائب السابق جميل النمري.

لماذا يجب أن نرفض مشروع قانون الجرائم الإلكترونية

المحامي عمر العطعوط

في غمرة انشغال الرأي العام الأردني بمشروع قانون ضريبة الدخل، أحالت حكومة هاني الملقي إلى مجلس النواب في أيّار الماضي مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونية، وأدرجته حكومة الرزّاز على جدول أعمال الدورة الاستثنائية لتبدأ اللجنة القانونية بمناقشته مطلع الأسبوع الماضي.

استندت الحكومة في تبرير هذه التعديلات، حسب ما أوردته في أسبابها الموجبة، إلى «التطور التكنولوجي المتسارع في وسائل الاتصالات وما نجم عنه من اتساع نطاق استخدام الشبكة المعلوماتية سواء في وسائل التواصل الاجتماعي أو تطبيقات برامج الأجهزة الذكية»، وقالت إن هذا القانون جاء لمعاقبة كل من يسيء استخدام تلك الوسائل، تحت ذريعة أن قانون العقوبات الحالي قديم ولم يعالج الجرائم المرتكبة بتلك الوسائل الحديثة.

لكن الاطلاع على تفاصيل قانون الجرائم الإلكترونية الساري المفعول ومشروع القانون المعدل يُظهر أن الدافع وراء القانونين (الحالي أو المعدل) هو استخدام أدوات التشريع من أجل تقييد حرية التعبير والرأي وإخافة الأصوات المعارضة وجعل القانون حاجزًا ما بين المواطنين ورقابتهم الشعبية على المسؤولين في الدولة، عدا عن أن في هذا القانون اعتداءً على حقوق الأردنيين بالخصوصية والمكفول بموجب أحكام الدستور.

باستعراض المشروع المعدل نجد أن التعديلات لا تتوافق ما ورد في الأسباب الموجبة المرفقة بالقانون وكذلك كل التبريرات الحكومية بهذا الخصوص.

تعريف فضفاض لـ«خطاب الكراهية»

أضاف مشروع قانون الجرائم الإلكترونية تعريفاً لخطاب الكراهية (لم يكن موجودًا في القانون ساري المفعول) بأنه «كل قول أو فعل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات الدينية أو العرقية أو الاقليمية أو الدعوة للعنف أو التحريض عليه أو تبريره أو نشر الإشاعات بحق أي شخص من شأنها إلحاق الضرر بجسده أو ماله أو سمعته».

وحتى نفهم الغاية من وراء هذا النص علينا أن نفصل بين الشق الأول منه والخاص بـ «إثارة النعرات والفتنة والدعوة للعنف» عن الجزء الثاني المتعلق بـ «نشر الإشاعات بحق الأشخاص».

بالنسبة للشق الأول، وخلافًا لتبريرات الحكومة، فإن قانون العقوبات الساري المفعول يعالج تلك الأفعال ويُجرّمها، حيث نصت المادة 150:

« كل كتابة وكل خطاب أو عمل يقصد منه أو ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليه بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على مئتي دينار.»

هذا بالإضافة لما ورد في المواد 273 و275 و276 و277 و278 وكلّها متعلقة بتجريم الأفعال التي تؤدي الى إهانة الشعور الديني للآخرين.

إذًا فالأفعال الواردة تحت بند «خطاب الكراهية» المستحدث هي أفعال مُعاقب عليها بموجب أحكام قانون العقوبات ويشمل ذلك كل وسائل النشر. وعلى الرغم من إشكالية تلك النصوص إلا أن عباراتها تبقى أكثر تحديدًا، وعلى فرض وجود حاجة للتعديل، فالأجدى أن يتم ذلك على ذات القانون ولا سيما وأن آخر تعديل جرى على قانون العقوبات بما في ذلك المادة 150 منه كان في العام 2017.

أما الشق الثاني الوارد في تعريف خطاب الكراهية والمتعلق بـ«نشر الإشاعات بحق أي شخص من شأنها إلحاق الضرر بجسده أو ماله أو سمعته» فهو الأخطر ويُمثل الهدف الحقيقي من التعديل إذ يؤدي إلى التضييق على حرية التعبير والبحث والنقد والرقابة الشعبية.

في ضوء غياب أي تعريف للإشاعة بموجب أحكام القانون فإن هذه الفقرة ستؤدي إلى تحصين المسؤول العام سواء كان رئيسًا للوزراء أو وزيرًا أو نائبًا أو غيره من رقابة الرأي العام على أعماله، بينما المفترض أن المسؤول – في الدول الديمقراطية على الأقل – يعلم أنه بقبوله المنصب العام فهو معرض للرقابة وعليه أن يقبل من الانتقاد واللوم والمساءلة وحتى الهجوم ما لا يُطلب من الشخص العادي قبوله.

وأما القول بأن هذه المادة جاءت لحماية الاشخاص من الابتزاز أو الشتم أو الذم فهو غير مقنع لأن هذه الأفعال جميعها تُشكل جرائم موصوفة ومُعاقب عليها ليس فقط في قانون العقوبات الساري المفعول بل وأيضًا في المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية الحالي بموجب نص قُصد به رفع الحد الأدنى للعقوبة خلافا للحال في قانون العقوبات.

وبعيدًا عن جزئية «نشر الإشاعات»، هناك التعريف الفضفاض لـ«إثارة الفتنة أو النعرات الدينية»، وهي مشكلة سابقة لقانون الجرائم الإلكترونية وموجودة في قانون العقوبات. لا خلاف على الحق الذي يكفله الدستور بحماية حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد للجميع، ولكن الاستناد إلى نصوص فضفاضة لا تضع حدًا ما بين الرأي والفكرة وحق إعمال العقل في ما قد يعتبره البعض مسلّمات أو ثوابت دينية من جهة – مثل الإرث أو الحجاب أو الزواج والطلاق وغيره – وما بين الشتيمة والإهانة والتحريض من جهة أخرى فيه تضييق ليس فقط على الحق بالتعبير بل والحق في التفكير أيضًا.

انتهاك لخصوصية المراسلات

من التعديلات الإشكالية أيضًا والتي تؤدي إلى تقييد حرية التعبير وخرق الحياة الخاصة للأردنيين التعديل الذي قامت به الحكومة على تعريف نظام المعلومات في مقدمة المشروع وذلك بإضافة «التطبيقات» إليه، ما يعني إدراج جميع تطبيقات الهواتف الذكية مثل الواتساب وخلافه وإخضاعها للرقابة.

تنص المادة 10 من مشروع القانون على ما يلي:

«أ. يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف ولا تزيد على عشرة آلاف دينار كل من قام بنشر أو إعادة نشر ما يعد خطابًا للكراهية عبر الشبكة المعلوماتية أو الموقع الإلكتروني أو نظام المعلومات.

«ب. يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها بالفقرة أ من هذه المادة كل من ارتكب أيًا من الجرائم المنصوص عليها في المواد (273)، و(276)، و(278)، و(393) من قانون العقوبات إذا ارتكبت عبر الشبكة المعلوماتية أو الموقع الإلكتروني أو نظام المعلومات».
على ضوء تعريف خطاب الكراهية بموجب مشروع القانون ولا سيما العبارة الفضفاضة والمتمثلة بنشر الإشاعات، وعلى ضوء إضافة تطبيقات الهواتف الذكية باعتبارها إحدى الوسائل المُجرمة لنشر هذه الخطابات، فإن ذلك يعني من ناحية عملية أن قيام أي شخص بإرسال رسالة خاصة إلى صديق له أو مجموعة خاصة سواء بالواتساب أو الماسنجر أو غيرها يقول فيها مثلًا «والله يا عمي هذه سولافة سكن كريم حاسس فيها فساد مش مرتاح لها وفيها شبهة» يمكن أن يعتبر نشرًا للإشاعة وبالتالي خطاب كراهية يعرّض المرسل إلى إمكانية الحبس ثلاث سنوات.

تغليظ العقوبات والتوسّع في التوقيف

شملت أيضا التعديلات الحكومية في مشروع القانون تغليظ العقوبات بالحبس على الأفعال المُرتكبة خلافًا لأحكامه على الرغم من أن تلك العقوبات ليست قديمة وإنما صدرت لأول مرة بموجب القانون الحالي في العام 2015، فما الغاية من هذا التشديد؟ هل أظهرت الدراسات أن تلك العقوبات لم تكن رادعة؟ كم عدد الحالات التي كرّرت الجريمة بعد العقوبة؟ في العادة هذه هي المعطيات التي تتم دراستها في علم الجريمة والعقاب من أجل التقييم، وهذا بالتأكيد لا يظهر خلال أقل من ثلاث سنوات على تطبيق قانون ما.

كانت الأحكام بموجب القانون السابق في حدها الأقصى لا تزيد عن سنتين باستثناء الأفعال المنصوص عليها في المادتين السادسة والسابعة منه والخاصة بجرائم الاحتيال الإلكترونية. وحيث أن قانون أصول المحاكمات الجزائية يمنع التوقيف في الجنح التي لا تزيد عقوبتها القصوى عن سنتين، قامت الحكومة بموجب المشروع المعدل برفع العقوبات التي كانت لا تزيد عن سنتين لتصبح ثلاث سنوات لإبقاء سيف التوقيف لمدد قد تصل شهرًا مسلطاً على رقاب الناس بدلاً من أن يبقى المتهم بريئًا وغير موقوف حتى تثبت إدانته.

مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونية يضاف إلى منظومة من القوانين المخالفة للدستور والتي توالى تشريعها وتعديلها منذ 2012 لتقييد الحريات العامّة وخاصّة حريات التعبير على الإنترنت والتي تفجّرت في السنوات الأخيرة في مساحات ديناميكية جديدة يعبّر فيها الأردنيون عن ضيق ذرعهم بالفساد والتفرّد بالسلطة وغياب المساءلة.

فبعد أن فرضت الحكومة في 2012 قيودًا على المواقع الصحفية الإلكترونية بوضعها تحت منظومة قانون المطبوعات والنشر (المقيّد للحريات الصحفية أساسًا)، وتوسّعت عام 2014 بتعريف الإرهاب في تعديلات قانون منع الإرهاب ليشمل أفعالًا تندرج في حرية التعبير مثل «أي قول من شأنه تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية»، ثم سنّت قانون الجرائم الإلكترونية في عام 2015 لفرض المزيد من القيود على مستخدمي المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، من المتوقع أن يمرر النوّاب التعديلات الجديدة المطروحة على قانون الجرائم الإلكترونية لكونهم مع الأسف ضمن الشخصيات العامّة التي تريد أن تبقى بعيدة عن نقد الرأي العام. فهل يؤدي هذا القانون المعدّل إلى فرض المزيد من الرقابة الذاتية؟

إسرائيل لم تتغيّر يا دكتور مروان المعشر

An Israeli soldier watches as foreign activists and Palestinian protesters avoid a tear gas fired by the Israeli army during a protest over Jerusalem tensions, near Hizma

بقلم المحامي عمر العطعوط

 

في محاضرته في مؤسسة عبدالحميد شومان بعنوان «بناء الهوية الوطنية الجامعة» الإثنين الماضي، قال الدكتور مروان المعشر ردًا على سؤال أحد الحضور إن «إسرائيل التي تفاوضنا معها قبل ٢٥ سنة ليست هي إسرائيل اليوم» وإنه وهو الذي كان عضوًا في الوفد المفاوض لم يعد مقتنعًا أن «إسرائيل جادّة في موضوع السلام».

هذا كلام يعني أن الدكتور المعشر مقتنع بأن إسرائيل كانت قبل ذلك معنية بالسّلام، وأنها لم تكن بهذا «التشدد والتطرف» إلا بعد الهجرات اليهودية من دول الاتحاد السوفييتي السابق، بحسب قوله في المحاضرة.

ألم تكن إسرائيل «متطرفة» في دير ياسين وفي الهجوم على قرية السموع وصبرا وشاتيلا؟ ألم تكن أكثر تطرفًا عندما اقتلعت السكان العرب من فلسطين من بيوتهم؟ هل كانت إسرائيل «معنية بالسلام» في حروب الهاجاناه وفي كل المجازر التي ارتكبتها منذ بدايات القرن الماضي حتى الآن؟ ألم تكن اسرائيل أكثر تشددًا في الفترة التي سبقت معاهدات السلام – التي كان الدكتور المعشر جزءًا منها – عندما قمعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى بسياسة تكسير عظام الشباب الفلسطيني ومواجهة الحجارة بالرصاص؟ ألم تكن إسرائيل أكثر توحشًا عام 1996 عندما قامت بمجزرة قانا بينما كان المعشر يتبوّأ منصب السفير الأردني في إسرائيل؟  

هل كانت إسرائيل قبل أن «تتغير» بحسب المعشر قد وافقت أو التزمت حتى بالسلام القائم على برنامج الحد الأدنى الذي قدّمه النظام الرسمي العربي – ولا أقول الشعوب – والقائم على انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من حزيران عام 1967، وعودة اللاجئين الفلسطينيين حسب قرار مجلس الأمن رقم 194، وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو حزيران في الضفة الغربية وقطاع غزة، عاصمتها القدس الشرقية؟

هل كانت إسرائيل التي فاوضتها يا دكتور وكنت سفيرًا لديها ملتزمة بكل ذلك قبل أن تتغير وتتشدد في السنوات الأخيرة فقط؟

إسرائيل يا دكتور لم تتغير. إسرائيل هي المشروع القائم على أساس احتلال أراضي الغير بالقوة والاستيطان الإحلالي. إسرائيل قامت على أساس اقتلاع وقتل وتشريد السكّان الأصليين وإقامة وطن قومي ديني لليهود على أراضيهم. إسرائيل تتعامل بموجب استراتيجيات ثابتة ومرسومة منذ ما قبل نشوئها ولا تزال مُستمرة وعلى ذات النهج لتحقيق أهدافها، وما يجري في وطننا العربي اليوم جزء لا يتجزأ من مُخططات هذا المشروع الصهيوني.

قال الدكتور في محاضرته أيضًا إن المجتمع الإسرائيلي قبل 25 عامًا كان منقسمًا بين معسكرين، «يساري» يريد السلام ويميني يرفضه، وأضاف: «العملية السلمية عند المجتمع الإسرائيلي ليست ذات اعتبار، لا عند المعسكر اليميني، ولا عند المعسكر – بطّل فيه معسكر يساري، ولا عند المعسكر الآخر، معسكر حزب العمل». وهو في هذا يتمسّك بأسطورة أن حزب العمل الإسرائيلي يختلف عن حزب الليكود، وينسى أن كافة الحروب العربية الإسرائيلية من عام 1948 حتى عام 1973 جرت بينما كان حزب العمل حاكمًا، في حين تم توقيع أول اتفاقية سلام – بين مصر وإسرائيل في كامب دايفيد – عندما كان الليكود حاكمًا بقيادة مناحيم بيغن. جوهر المشروع الصهيوني لم يختلف يومًا بين الليكود والعمل، لكن وللأسف الشديد استخدمت هذه الفكرة كثيرًا في سنوات المفاوضات وبعدها لتبرير التطبيع والتعامل مع جهات «مسالمة» في المجتمع الإسرائيلي والتخلّي عن النضال في سبيل التحرر من هذا الاستعمار.

كان حريّاً بك يا دكتور، بدلًا من تجميل صورة إسرائيل «سابقًا» واعتبار كل مجازرها في فلسطين ولبنان وسوريا والأردن أقل توحشًا من «إسرائيل اليوم»، أن تعتذر عن خطأ موقفك عندما شاركت في المفاوضات ووافقت أن تصبح أول سفير أردني لديها، لا أن تغيّر الحقائق التاريخية لتبرير بعض التبدّل في آرائك تجاه هذا الكيان المحتل.

إن  تفاعل عدد كبير من الحاضرين مع رد المعشر بالتصفيق والتأييد، يدل على التحدي الذي نواجهه في الأردن اليوم من حيث الرّبط الممنهج بين المطالبة بالدولة المدنية المُستندة إلى المواطنة المتساوية، وتقبّل المشروع الصهيوني (وما المنتدى العالمي للعلوم الذي يقام في الأردن بمشاركة إسرائيلية تحت شعار السلام وبحضور عدد كبير من دعاة الدولة المدنية سوى مثال آخر على ذلك). ما نراه اليوم هو أن نسبة كبيرة من النخب التي تتبنّى مشروع الدولة المدنية تنشر أيضًا ثقافة التسامح مع التطبيع  والتعامل مع العدو الذي لا يزال يحتل الأرض وما عليها ويقتل الإنسان ويبني مشروعه الذي لم يتغير يومًا في إقامة إسرائيل الكبرى.

 

اثنان وعشرون عامًا على وادي عربة: حين يُفرَض التطبيع عنوة

المحامي عمر العطعوط

عندما اتّجه الملك الراحل الحسين لتوقيع معاهدة وادي عربة مع العدو الصهيوني، كان يعلم أن غالبية الشعب الأردني تقف ضدّها، وأنه لا بد من الالتفاف على الإرادة الشعبية – الفاعلة آنذاك بعد حالة الانفراج النسبي في الحريات بعد هبة نيسان 1989 – لتمريرها.

مجلس النواب الحادي عشر الذي انتخبه الأردنيون عام 1989 بقانون الصوت المتعدد كان من الصعب أن يصوّت مع هذه المعاهدة، ولهذا قام الملك بحلّه قبل انتهاء مدته الدستورية، وأصدرت الحكومة قانون انتخاب مؤقت على أساس الصوت المجزوء  ليكون أحد أهم أدوات تقسيم المجتمع وتفتيته للوصول إلى مجلس نواب لا يمثل إرادة الناس الحقيقية ويكون قابلًا ليس فقط لإقرار تلك المعاهدة المشؤومة، بل واستخدامه كأداة لسن القوانين التي تكفل استمرار حالة الانفراد بالحكم من قبل الملك وتقييد أي قوى شعبية أو نقابية أو حزبية  تعارض العلاقة مع إسرائيل.

منذ ذلك اليوم أصبح الموقف من تلك المعاهدة هو المعيار لتحديد أعضاء النخبة الجديدة الحاكمة في البلاد من رؤساء ووزراء وأعيان ونواب، ورأينا أعضاء الجانب الأردني من المفاوضات ومهندسي المعاهدة يصلون أعلى المناصب في الدولة. لكن هذه العلاقة مع إسرائيل ظلّت بين النخب، وفشلت محاولات النظام والحكومة لفرض التطبيع شعبيًا.

وفي الوقت الذي تتنامى فيه حركات المقاطعة العالمية لإسرائيل وتزداد فاعليتها، تلتزم النخبة الحاكمة في الأردن بتبعيتها للمشروع الصهيوني والرضوخ للضغوط الإسرائيلية والأمريكية الرامية إلى دمج إسرائيل في الإقليم ومنحها عمقًا استراتيجيًا لزيادة استقرارها السياسي والاقتصادي. وما صفقة استيراد الغاز التي وقعتها شركة الكهرباء الوطنية سوى واحد من مشاريع استراتيجية جديدة مع العدو الصهيوني ستفرض التطبيع على كل مواطن أردني رغمًا عن أنفه. هذه الصفقة وصفتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأنها “حبل النجاة للسلام”، في تقرير يكشف حجم الضغط الأمريكي لفرضها على الأردن وحاجة إسرائيل الماسّة إليها.

مع الزخم الذي تكتسبه الحملة الشعبية الرافضة لاستيراد الغاز المسروق من العدو الصهيوني، تزايدت التصريحات الرسمية ومقالات التدخل السريع التي تحاول تبرير الصفقة اقتصاديًا وتقديمها على أنها في مصلحة الأردن. طبعًا الصفقة مرفوضة بكل الأحوال، لأسباب مبدأية وسياسية، إلا أن كافة المؤشرات تدل أن المسوغات الاقتصادية المقدمة لتبريرها مغلوطة وأنها تخدم إسرائيل اقتصاديًا واستراتيجيًا، لا الأردن. ويكفي أن نعلم أن شركة الكهرباء الإسرائيلية تستورد الغاز المسال من شركة بريتيش بتروليوم البريطانية لأنه أقل تكلفة من خيارها المحلي، لندرك مدى التبعية التي تحكم قرارات حكومتنا.

للأسف ليس هذا بجديد، فمعاهدة وادي عربة، التي تم توقيعها في مثل هذا اليوم قبل ٢٢ عامًا، تضمنت تنازلات مذلة في كافة المجالات. ومع أن هذه المعاهدة غير مقبولة من حيث المبدأ لأن احتلال الأراضي العربية ما يزال قائماً منذ عام 1948، إلا أن هذا لا يمنع أن نتناول بنودها لبيان مدى إجحافها بالحقوق الأردنية:

حق العودة للاجئين والنازحين:

اعتبرت المعاهدة أن مشكلة اللاجئين والنازحين هي مشكلة إنسانية فقط1 وبالتالي فإن الحل لها هو اقتصادي يتطلب تحسين الظروف الإنسانية والمعيشية لهؤلاء من جهة، والمساعدة على توطينهم من خلال تطبيق برامج الأمم المتحدة المتفق عليها وغيرها من البرامج الاقتصادية الدولية المتعلقة باللاجئين والنازحين2. أي أن المعاهدة أسقطت حق العودة تمامًا ووافق الأردن على مبدأ التوطين صراحة.

الأرض:

خلافا للرواية الرسمية فإن معاهدة وادي عربة لم تؤدِّ إلى استعادة كامل الأراضي الأردنية المحتلة؛ منطقة أم الرشراش والتي أصبحت تُسمى إيلات لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهي لمن لا يعلم  جزء لا  يتجزأ من الأراضي الأردنية بموجب حدود الانتداب البريطاني التي استندت إليها المعاهدة في ترسيم الحدود الدولية.3

. أما الأراضي المحتلة في الباقورة فقد استعادت الحكومة الأردنية منها ما مساحته 830 دونما من أصل 6000 دونما لا تزال مُحتلة. وحتى تلك الدونمات القليلة  قد عادت بسيادة منقوصة وممتهنة للكرامة4، فقد تعهد الأردن بموجب تلك المعاهدة بأن يمنح المزارعين الإسرائيليين وبدون استيفاء أي رسوم  حق الاستمرار باستغلال تلك الأراضي والحرية المطلقة لهم ولمستخدميهم وضيوفهم في الدخول والخروج دون قيد، كما تعهد بعدم تطبيق القوانين الأردنية على المزارعين الإسرائيليين أو ضيوفهم أو مستخدميهم، وتعهد الأردن أيضا بالسماح بدخول ضباط الشرطة الإسرائيلية بلباسهم الرسمي وبأسلحتهم إلى تلك الأراضي المُحررة.5

المياه:

أسهمت معاهدة وادي عربة بشكل كبير في عملية الإفقار المائي في البلاد؛ تم التفريط بحق الأردن في مياه نهر الأردن من خلال منح العدو حق احتجاز تلك المياه في بحيرة طبريا، وفقدنا كذلك حقنا في مياه نهر اليرموك كنتيجة واقعية للشروط المجحفة في المعاهدة والتي لم تحدد للأردن أي كمية أو نسبة محددة من نهر اليرموك ونصت أن حصة الأردن تأتي بعد استيفاء الكيان الصهيوني لحصصه المقررة6.

كما منحت شروط المعاهدة لدولة الاحتلال الحق  في الاستمرار في استخدام جميع  الآبار الجوفية التي سبق وحفرتها والتي تقع على الجانب الأردني من الحدود، وسمحت لها بربطها بأنظمة المياه والكهرباء الإسرائيلية، واستبدال أي بئر لا يعود مجديا من تلك الآبار. للعدو أيضاً الحق، حسب المعاهدة،  في زيادة الضخ من هذه الآبار بمقدار 10 مليون متر مكعب سنوياً عن الكمية التي كان يضخها قبل عام 1994. وقد التزم الأردن بأن لا يتخذ أية إجراءات قد تؤدي إلى تقليل إنتاج هذه الآبار أو تؤثر على نوعيه مياهها مما يعني ضمنًا أننا التزمنا بعدم استخدام المياه الجوفية داخل الأراضي الأردنية حتى لا نؤثر على كمية ونوعية المياه التي تستغلها اسرائيل داخل المناطق الأردنية المحررة7.

المجالات الاقتصادية والثقافية:

لقد التزمنا بموجب المعاهدة ليس فقط بإنهاء المقاطعة الاقتصادية المباشرة، بل أيضا التعاون لإنهاء أية مقاطعة يقوم بها طرف ثالث لإسرائيل، أي أن المطلوب أن يتحول الأردن إلى جسر عبور لإسرائيل واقتصادها إلى أسواق العالم العربي8.

أما العلاقات الثقافية فقد تُرجمت على أرض الواقع من خلال التركيز على شطب فكرة العداء مع إسرائيل من ذاكرة الأجيال القادمة؛ فاختفت المناهج التي كانت تذكرنا على الدوام بالأراضي العربية المحتلة في كل مكان وأصبحت بطولات فراس العجلوني وكايد المفلح والآلاف غيرهم أسرارًا عسكرية يجب إخفاؤها كأجهزة التنصت في عجلون.

ولإخراج الأردن من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي وتفتيت الجسم العربي كان لابد من أن يكون لدولة الاحتلال الوضع التفضيلي في علاقات الأردن العربية والدولية. وعليه ففي حال وجود أي تعارض بين التزامات الطرفين بموجب المعاهدة والتزاماتهما الأخرى، فإن الالتزامات بموجب هذه المعاهدة هي التي تُنفّذ9.

عديدة هي مخاطر معاهدة وادي عربة على الأردن، ولا تكفي ورقة أو مقال أو دراسة لحصرها جميعًا. ولكن التاريخ علمنا أنه لا صُلح مع الاحتلال، وما مقتل القاضي الأردني رائد زعيتر والشاب الأردني سعيد العمرو بدم بارد على أيدي جنود الاحتلال سوى تذكير بحقيقة أن إسرائيل ما زالت عدوّنا وأن ألف معاهدة لن تنهي حالة الصراع العربي الصهيوني.

1الفقرة الاولى من المادة 8 من المعاهدة
2الفقرة ج من المادة 8 من المعاهدة
3المادة 3 من المعاهدة نصت”تحدد الحدود الدولية بين الاردن واسرائيل على اساس تعريف الحدود زمن الانتداب”
4العلاقات الاردنية الاسرائيلية (الجذور والآفاق) خالد عبد الرزاق الحباشنة
5الملحق 1/ب من المعاهدة والمتعلق بمنطقة الباقورة والملحق 1/ج المتعلق بمنطقة الغمر
6المادة 1 من الملحق رقم 2 من المعاهدة والتي حددت حصة دولة الاحتلال من مياه نهر اليرموك واعتبرت ان حصة الأردن تأتي بعد استيفاء الطرف الآخر لحصصه المقررة.
7المادة 4 من الملحق رقم 2 الخاص بالمياه الجوفية في معاهدة وادي عربة
8الفقرة أمن البند 2 من المادة السابعة من المعاهدة
9الفقرة السادسة من المادة 25 من المعاهدة

(هذه نسخة محدثة من مقال نشرته في ٢٤ تشرين أول ٢٠١٤)

النادي الأرثوذكسي

أنا لم أعد عضواً في النادي الأرثوذكسي، ولكنني كأحد أبناء عمان وأبناء المدرسة الوطنية الأرثوذكسية فإن لهذا الصرح الثقافي الاجتماعي في نفسي رمزية تاريخية عاطفية مكانية كبيرة، فهو يشكل النموذج الحقيقي للأردن الذي نريد. حيث لا أزال أذكر ونحن أطفال نهاية السبعينيات نتناول الغداء في مطعمه كل يوم جمعة ونلعب في ساحاته دون أن نعرف إن كان الصديق الذي بجانبنا مسلماً أم مسيحياً من أصول اردنية أو فلسطينية أو سورية، حيث كان هذا الصرح يشكل بيئة عروبية التوجه شأنه كشأن الأرثوذكس العرب دائماً وهم الذين كانوا أول من أسس وقاد الحركات التنويرية في الأردن وفلسطين كجزء لا يتجزأ من نضالاتهم في سبيل تحرير فلسطين ومن أجل أردن مدني ديموقراطي.

الآن وأنا أتابع ما يتم تداوله حول وجود توجه لبيع مقر النادي في عبدون، وبغض النظر عن التفاصيل المالية لتلك الصفقة، (وقد يكون لدى مؤيدي عملية البيع وجهات نظر تصب أيضا في مصلحة النادي) إلا انني أشعر بحزن شديد لفكرة غياب هذا الصرح عن موقعه الحالي لما له من قيمة تاريخية ومعنوية لها رمزية مرتبطة بهوية مدينة عمان ومرتبطة بأبنائها مسيحيين ومسلمين.

أتمنى على أعضاء الهيئة العامة للنادي لدى مناقشتهم هذا الموضوع أن يتجاوزوا النواحي الاقتصادية والمالية والبحث عن سبل أخرى لتنمية موارد النادي بعيدًا عن عملية البيع، وفي كل الأحوال يجب على الجميع التكاتف ومعالجة الموضوع بهدوء دون تبادل الاتهامات ليبقى هذا الصرح كما كان دائمًا صرحًا وطنيًا جامعًا وموحدًا لكل أبناءه.